اختار أنجان ساندارام أن يعمل في الصحافة من أفريقيا، بعد تخرجه في جامعة «ييل». سافر أولاً إلى الكونغو وأهواله، وخرج بكتاب مثير جعل له عنواناً من كلمة واحدة: «مراسل». بعد مجزرة رواندا، التي قُتل فيها 800 ألف بشري بالمناجل خلال مائة يوم، ذهب إلى هناك لكي يدرس العمل الصحافي. من هذه التجربة عاد بكتابه الثاني: «أنباء سيئة».كان لديه عشرة طلاب. جميعهم فقراء، إذا صحت التسمية. أو ما دون ذلك. وهذا أصحّ. لكن الفقر ليس المشكلة التي سوف يواجهها مع تلامذته، بل ما هو أسوأ، الخوف. لقد تسلم الحكم في رواندا بعد المجزرة الرئيس بول كاغامي، الذي عمل سابقاً مدير فرع للمخابرات في رواندا. وأصبح الرئيس، هو كل شيء: هو السلطة، وهو القضاء، وهو الاتهام، وهو الدفاع.حاول ساندارام أن يعطي طلابه درساً في المصطلحات. مثلاً، لا يجوز أن تسمي المتَّهم محكوماً، قبل أن يُحاكم وتثبت إدانته. وأعطى على ذلك مثالاً سيدة منفية تريد العودة من هولندا إلى رواندا، لكي تخوض المعركة الانتخابية ضد الرئيس. اكتشف أن جميع طلابه يسمونها «القاتلة الجماعية». سألهم، هل جرت محاكمتها؟ لا. هل أدينت؟ لا. هل هناك ما يثبت أنها قاتلة جماعية من دون أي شك في ذلك؟ نعم. هكذا يصفها الرئيس.كان ساندارام يعيد الدرس، وطلابه يكررون الإجابة كما يخافون، لا كما يعرفون. عبثاً انتظر أن يتمرد أحدهم على رعبه، فما هو في نهاية المطاف إلا فرض مدرسي.ذات يوم يقرر أن يقوم بزيارة أحد طلابه في «منزله». يسلك الطالب طرقاً خفية ومتعرجة وهو يتطلع طوال الوقت من حوله. وأخيراً يصلان إلى أفقر الأحياء في العاصمة. لكن ساندارام يكتشف أن «المنزل» في الداخل أكثر فقراً وبؤساً. هناك كنبة عتيقة واحدة اشتراها الطالب من سوق العتق قبل أسبوع فقط. قبلها كان يجلس وينام على الأرض. ويصارح الطالب أستاذه: لكي نشبع، يجب أن نمدح الرئيس ونمتدح إنجازاته. وعندما لا نجد ما نمدحه به، يجب أن نبحث عنه في مكان آخر. يجب أن نستعير وأن نشغل مخيلتنا. الرئيس هو كل شيء، الرضا والغضب، العطاء والحرمان.يعود ساندارام إلى صفه في اليوم التالي، ويبدأ في إعطاء الدرس من جديد: لا يجوز أن نسمي مجرماً مَن لم تجرِ محاكمته وإدانته بالجريمة. ويتأمل وجوه طلابه فيراها مليئة بالرعب. حتى الاستماع إلى مثل هذا الكلام يؤدي إلى الفقر والسجون.* نقلا عن "الشرق الأوسط"