تختلف الأمنيات عن مايمكن تحقيقه على الأرض، وتظل نظريات الجمهورية الحديثة والنظام الديمقراطي مسجونه في بطون الكتب.
هذا ما بدأ لنا مؤخراً بوضوح حين وقفنا متساءلين عن اسباب تقدمنا الى الخلف عاماً بعد عام، لنكتشف ان النظام الجمهوري العربي يختلف عن النظام الذي يفهمه العالم من حولنا وان مقاس ثوب الديمقراطية التي ندعي ممارستها لم يواري عورات حكامنا. فكم احتفلنا في اليمن بثورتي اكتوبر وسبتمبر!! وكم احتفل الليبيون بثورة الفاتح من سبتمبر!
وكم احتفل العرب كلاً بثورته دون ان يسأل أحدهم عن مصير الثوار الحقيقيين ولا عن اسباب عجزنا عن تحقيق أبسط هدف من أهداف تلك الثورات. لم نكن نعلم حينها ان مشاركة بعضهم لاحتفالاتنا ليست الا بكاءً على الأطلال، لم نكن نعلم ذلك الا حين اصبحنا نبكي ماضينا مثلهم.
لقد تبخرات كل احلام الشباب، او ربما اننا كنا نحلم بالمستحيل بجهالة، فلم نشهد تداول سلمي للسلطة على مدى نصف قرن من الزمان في عالمنا العربي ولم نشهد رئيس عربي واحد تنحى عن منصبه سلمياً. فلا فرق بين النظام الجمهوري في الجمهوريات العربية والنظام الملكي في المغرب والاردن ودول الخليج. لا فرق إلّا ان الانظمة الملكية تشهد استقرار اقتصادي وسياسي مقبول نوعاً ما، بينما معظم الانظمة الجمهورية لم يستقر لها حال، ولم تخلو من الصراعات السياسية. وعلى مستوى الزعامات العربية في النظامين لا يختلف الرئيس عن الملك في إيمانه بحقه المطلق في الحكم الأبدي دون غيره، إلّا ان الرئيس يعد خلفه سرا ويوزع الأوسمة والميداليات على حاشيته علناً، بينما الملك يحتفل بولادة مولوده البكر علناً ويصدر مرسوم بتعيينه ولياً للعهد قبل ان يبرح المهد، ثم يأمر باطلاق سراح بعض السجناء السياسيين بمناسبة ختان ولي العهد الوليد.
لم يعد هناك مجالاً للجدال في حقيقة طبيعتنا العربية الميالة بالفطرة للتنافر ان لم تجمعنا مرجعية واحدة نهتدي بها الطريق. انها طبيعة عربية متأصلة استوعبها رجال الدين منذ القدم فامتطوا جياد الدين للوصول للحكم باعتبار الدين هو المرجع المقبول عند الجميع، ولكن مع مرور الوقت تباينت تأويلات الدين بتباين أهداف القائمين عليه، واصبح تجسيد مرجعية الحكم عملاً لابد منه. لقد آن الأوان لمبايعة من اتبعته غالبية الناس طوعاً ليكون مرجعية علياء للبلاد، وعندئذ يمكننا ممارسة الديمقراطية الحقيقية لتداول إدارة جميع مؤسسات الدولة ابتداءً من قاعدة الهرم الحكومي الى رئاسة وزراء البلد في أعلى الهرم، تحت رعاية واشراف المرجعية العلياء، صاحب الكلمة الفصل. وهذا هو النهج المتبع في كثير من أعرق دول العالم وأكثرها تطورا.