آخر تحديث :الأربعاء-02 أبريل 2025-07:58ص

مجلس حضرموت الوطني انموذجا للتحول من حالة صراع الأمجاد التاريخية

الأربعاء - 23 أغسطس 2023 - الساعة 02:00 م
مبارك باشحري

بقلم: مبارك باشحري
- ارشيف الكاتب


جاء المجلس إلى الواقع الحضرمي لينتشل أبناء حضرموت قاطبة من التشتت والضياع والتشرذم وذلك لسبب بسيط جدا وبديهي وهو في الإجتماع علي كلمة سواء قوة وفي التفرق ضياع وهوان ومذلة بكل تأكيد وقطع بات وبالطيف الإجتماعي المتنوع رؤي وجهات وبطرح موضوعي جاد ووضع النقاط على الحروف يكون المجلس ناجحا ومثالا وإنموذجا جيدا لتحتذي أسوة به بقية المحافظات سواء في الجنوب أو الشمال ، فالحضارم في الماضي القريب موضع احتذاء سواء بتجربة المجالس الشعبية للحكم المحلي أبان حكم دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو في تجربة مجالس الإدارة المحلية بالجمهورية اليمنية
وإلى نجاح التجربة في حضرموت تشرئب أعناق النخب في المحافظات الأخرى راجين لتجربتنا النجاح وبترجمة عملية على بساط الواقع بدءا بالمرحبين من محافظة الضالع ونهاية بمحافظة صعدة وبالمثل في بقية المحافظات اليمنية والجنوبية على وجه الخصوص.

إلا أنه في ذات الوقت لا يعني بالضرورة الحتمية قيام ونجاح مجالس وطنية في محافظات الجمهورية نهاية مؤكدة لأي مشروع جهوي سواء كان جنوبيا أو حوثيا أو عفاشيا فإذا كانت الثقة مستحضرة في النفس فليس أصحابها بحاجة البتة إلى التأجيج وتزييف وعي الجمهور بأقوال ليس لها في الواقع وجود ملموس بقدر تحسس واحتدام طبع ينبغي بكل تأكيد وقطع بات التخلص بما هو كائن في ألا وعي لتلك الغائبة من أمجاد ماتت وأساطير لم يعد لها مفعول قط في واقعنا الحاضر واقع المسطور لا الأسطورة بغرض إحيائها والسير بخطى ثابتة ظنا من حامليها يمكن تحقيقها لتكون ماثلة على بساط واقعنا الحاضر
ويعود الدليل إلى السبب الماثل تجسيدا ملموسا بالانصياع إليه وهو  المدفون في العقل اللاواعي لكون المشكلة الحقيقية  تنحصر في التأريخ اليمني عامة تكمن بالانطلاقة منه لا من واقع الحداثة الحاضر  بإفتعال صراعات مطلع ومنزل وسهول وجبال وسواحل ووديان وهو ذات صراع  ماقبل الإسلام أو بعده وفي ذات عصر الحداثة الذي نعيشه بأجسادنا فقط  وبأشباح موغلة في القدم تسكنها بينما ذواتنا غائبة تماما عن هذه الأجساد.

لذا علينا نحن النخب والساسة أن نقر إلى حينه لم ندخل بعد في الحداثة بمشروع حداثي فعليا بقدر نجتر الماضي لإستعادة أمجاد في شكل مشروع حداثي كاذب البتة ليس له صلة بالحداثة بقدر ما اقتضته الضرورة وفرضته الظروف وثقافة المتبوع وقيمه ليس إلا، أما بخصوص مثلا دولة الجونبة ستظل حتما ما حققته من مكاسب إيجابية لطبقات إجتماعية في واقع حياتهم كمخزون قيمي في الذاكرة الجمعية مترجمة عمليا على بساط الواقع كمشروع إبداعي صنيع الحاضر وليس حلما بإستعادة مشروع قد مضى لكون الطريق ينحصر في المستقبل فكل مشروع يخرج من رحمه مكتسبا صفتي الواقعية والوجود وليس الوجود وحده فقط فالخصيصة الإنثروبولوجية لشعب ما بخلق مشاريع مستقبلية لا ماضوية قد برهن شعبنا في حضرموت على نوع خصيصته الإنثروبولوجية الإيجابية بميلاد الحراك الجنوبي على أرضه قبل أرض محافظة جنوبية أخرى قبله تماما مثل ما استجاب الأجداد والآباء لأول تجربة لمجالس شعب لحكم محلي لم تكن استعادة لتجربة مضت أخذت من سفر التأريخ وحولت بقوة قادر إلى كيان مادي ملموس على بساط الواقع الحاضر.

وتتجلى صفات هذه الخصيصة الأنثروبولوجية بغاياتها الإيجابية في إنطلاق شعب المحافظة الحضرمية بترسيخ وتجذير قيم العدالة الإجتماعية والإقتصادية والتسوية بين الأفراد ورفض الظلم ومحاربته
ومن هنا فبكل طمأنينة أن الأولوية الملزمة التي تحتم علينا البدء بها هي أن ترتب كل نخب محافظة ما بيتهم الإجتماعي وأن يستمد إبن المحافظة قوته وشعبيته من أبناء مجتمعه قبل أن يستمدها من خارجه وأن يكون أولا انتماؤه لمحافظته قبل أن يفاخر بيمنيته أو غيرها من هوية ما فالذي يستمد قوته من الخارج شخص أو مجموعة مخالفة للبديهة والمنطق وحينها يصدق من ناحية أننا بدأنا نضع القدم على الطريق الصحيح ومن ناحية ثانية تأكد المراقبون لمشاريعنا السياسية بالفعل دخلنا عصر الواقع المعاش وغادرت الأشباح أجسادنا وإستعدنا ذواتنا الحقيقية التي هي من صنع الواقع الحاضر بعد أن كانت خارجة عن أجسادنا غائبة بالفعل ولكن بداية التجربة من حضرموت لكون حضرموت هي المدرس والمعلم  للغير من محافظات أخرى وقد ذكرت الاستدلالات التي تؤكد  على ما أدين به كونه حقيقة لاجدال فيها لذا فقد راقت لي خاطرة لأختم بها هذا المقال مضمونها يتجلى كيف كان آباؤنا وأخوتنا وفي وقت قريب جدا عايشناه عن كثب في حضرموت يجتمعون على كلمة سواء خلافا لغيرهم من أبناء المحافظات الأخرى
وذلك حين إشتد الصراع بين جناحي الجبهة القومية اليمين واليسار وكانت الأكثرية في حضرموت من اليسار ومستقلون بحكم المحافظة عن عدن المركز للدولة وذلك تحديدا لتأريخ الحدث بحقن الدماء بعد ٢٠مارس عام ٦٨م.

وكان  المتصدرون لجناح اليمين في الجنوب حينها عسكر من أبين و شبوة وبالأخص من العوالق فرضوا على الرئيس قحطان الشعبي رحمه الله إرسال قوة عسكرية إلي حضرموت لإخضاع الخارجين عن حكم المركز ووافقهم الرئيس قحطان على كرة ومضض وكانت قوي اليسار في حضرموت ممثلة بالأكثرية اندفاعا قائمة بالتعبيئة والحشد لكلا الجانبين العسكري والمدني مصرة من غاية الحشد في البداية على حتمية المواجهة مع تلك القوة العسكرية القادمة من عتق شبوة المتمركزة في الخشعة بحضرموت.

لكن لما التقى بعض من عقلاء اليسار وعقلاء اليمين الحضارمة ورأوا أن الدم في غالبيته الذي سيسفك على سطح الأرض الحضرمية هو لأولاد حضارمة من كلا الجانبين بالدرجة الأولي وبالدرجة الثانية من أبناء الجنوب وبالأخص من أبناء عوالق شبوة إتفق رأيهم المبادرون وهم الإستاذ خالد محمد عبد العزيز أطال الله في عمره من أبناء مدينة المكلا رئيس اللجنة التنفيذية للجبهة القومية فرع حضرموت المحسوب علي جناح الرئيس قحطان الشعبي حينها وسعادة اللواء خالد أبوبكر باراس أطال الله في عمره أيضا رئيس أركان أمن محافظة حضرموت حينها والحاج صالح باقيس رحمه الله مدير أمن المحافظة وكلا الاثنين من مؤسسي الجبهة القومية ومحسوبين على قوى اليسار فيها.

إتفقوا أولا أن يرسل الإستاذ خالد برقية للرئيس قحطان مضمونها بوصول سعادة اللواء خالد باراس لمقابلته والغرض بخصوص القوة العسكرية التي وصلت حضرموت قادمة من عتق شبوة وبعد أن جاء رد الرئيس قحطان بالموافقة والإستقبال رغم إزدحام وقته بشواغل مهمة جدا لدولة بعد لم ينقض من عمر إستقلالها سوى أشهر محدودة عرض أولئك ما اتفقوا عليه على رموز قوى اليسار في حضرموت فاقتنعوا بالفكرة والحل بصوابية غاياته وهو حقن الدماء وبالفعل سافر سعادة اللواء خالد باراس أطال الله في عمره إلى عدن وقابل فخامة الرئيس قحطان الشعبي رحمه الله وأقتنع الرئيس بوجاهة الحل لكونه صحيحا وسليما وأعطي أمره لقائد الجيش حينها عشال رحمه الله بإصدار أمر لتلك الكتيبة القادمة من عتق إلى منطقة الخشعة في حضرموت العودة إلي عتق شبوة.

وهكذا الخصيصة الأنثروبولوجية للحضارم تكشف عن تواجدها المتجذر في العقل الجمعي لأبناء المحافظة فتظهر إلي سطح الوجود حين الشدائد والابتلاءات وإختبار المعدن ليس إلا والله من وراء القصد.