يصادف اليوم الذكرى العشرين لرحيل الشهيد الكبير ياسر عرفات، كما يصادف اليوم انعقاد مؤتمر القمة العربية الإسلامية في الرياض بالمملكة العربية السعودية بالتزامن مع اليوم الـ401 لحرب الإبادة على غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 43 ألف وستمائة شهيد و102,000 جريح من نساء وأطفال وشيوخ وشباب، إضافة إلى تدمير البنية التحتية واستهداف المستشفيات وقطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء والوقود. لم يحدث في تاريخ العالم الحديث مثل هذا العمل الإجرامي وسط صمت عربي إسلامي دولي، إلا من صوت الشعوب العربية وشعوب العالم قاطبة المحبة للسلام.
وقد سجلت غزة وأبناؤها ونساؤها ورجالها أروع البطولات في تاريخ الحروب والشعوب.
إن الشعوب العربية والإسلامية اليوم تتطلع وتناشد باسم فلسطين والمسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين، قمة الرياض لإصدار قرارات تاريخية بوقف الحرب على غزة والضفة الغربية ولبنان، باستخدام كافة الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الأمة العربية والإسلامية للضغط على إسرائيل وحلفائها، كما حدث في حرب عام 1973، عندما استخدم الملك فيصل والشيخ زايد -رحمهما الله- سلاح النفط، وقال حينها الشيخ زايد: "إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي."
وفي ذكرى رحيل الشهيد ياسر عرفات، يحضرني المشهد الذي لم يفارق ذاكرتي طوال السنوات الماضية، مشهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو يلوح لمودعيه بنظرات مليئة بالمحبة وحزن الفراق، ويرسل لهم القبلات في الهواء من باب الطائرة العمودية التي غادرت به إلى عمّان ومنها إلى باريس. وبذكاء المدرك أنه الوداع الأخير، أصر "الختيار"، الخارج من الحصار رغم مرضه، أن يتماسك ليودع شعبه مبتسماً، كاتباً السطر الأخير في الملحمة العاصفة التي استمرت لأكثر من أربعين عاماً، كتبه بذات القوة والشجاعة التي كتب بها سطورها الأولى قبل نصف قرن من الزمن.
المشهد الآخر، أو الأخير، كان مشهد التابوت الملفوف بالعلم الفلسطيني محمولاً على أكتاف الجنود الفرنسيين إلى الطائرة التي ستقل جثمان القائد الفلسطيني الكبير "المصري الهوى" إلى القاهرة، ومنها إلى رام الله ليوارى الثرى هناك، منتظراً اليوم الذي ينقل فيه رفاته إلى القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ليتحقق حلمه الكبير.
تابع الملايين حول العالم باهتمام، خلال فترة مرضه، التطور الدراماتيكي الغامض لصحة الزعيم الفلسطيني الذي مات مسموماً، كما مات قبله الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس هواري بومدين والمناضل وديع حداد، بالسم لأنه لم يكن ممكناً قتله بشكل مباشر أو علانية. لقد كان رمز وحدة ونضال الشعب الفلسطيني، والرمز الدولي الذي استطاع أن يعطي قضية فلسطين بعدها العالمي رغم سيطرة إسرائيل على وسائل الإعلام، وهو الذي وجه حديثه مباشرة إلى الدكتور كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة عام 1974م قائلاً: "سيدي الرئيس، لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن زيتون مع بندقية، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي. سيدي الرئيس، الحرب تندلع من فلسطين، والسلام يبدأ من فلسطين."
نؤكد في هذا المقال أن وحدة القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني العظيم، وتجاوز كل الخلافات، هو الطريق لمواجهة خطر حرب الإبادة. فقوتكم اليوم وغداً تكمن في وحدتكم وصمودكم في كافة الجبهات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، والتي ستتكسر عليها أطماع الكيان الصهيوني الساعي لطمس القضية الفلسطينية.
وإن وحدتكم وصمودكم هو الطريق للنصر وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
النصر للشعب الفلسطيني..
المجد والخلود لشهداء الثورة الفلسطينية، وفي مقدمتهم المناضل ياسر عرفات .