نوفمبر اليوم جانا عوّد لنا من جديد
فيه استعدنا الكرامة وأصبح الكل سيْد
أسياد في الأرض نحيا نحيا على ما نريد
حياة نصنع جديدة في مجتمعنا الجديد
والكل مالك لأرضه من خيرها يستفيد
ما أجمل هذه الكلمات التي كتبها شاعر لحج المناضل احمد صالح عيسى رحمه الله وترنّم بها الراحل فيصل علوي رحمه الله وهو من أبناء لحج أيضاً منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان ورددها الصغير قبل الكبير فرحين مبتهجين متطلعين الى حياة سعيدة ووطن مزدهر تتحقق فيه الطموحات الدنيوية للصغير والكبير ويتم فيه صناعة الحياة الجديدة في مجتمعٍ حيوي جديد بعد أفول شمس تلك القرون الغابرة التي عاشها من سبقنا تحت هيمنة المحتلين الذين جثوا على أرضنا الطاهرة نتيجة التهيئة المسبقة لهم من ثقافة عصور الانحطاط والتخلف التي مرّت بها الأمة جميعاً وما أرض اليمن ببعيدة عنها التي تجذّرت فيها هذه الثقافة بكل معانيها ومآسيها،
يوم السبت الماضي مرّت علينا الذكرى السابعة والخمسين لجلاء آخر جندي بريطاني من أرض عدن الحبيبة ورحل معهم أذنابهم الذين بسببهم طال أمد الاحتلال البغيض،
وقد كان لي شرف المشاركة بالاحتفال بهذه الذكرى العظيمة في السنوات الماضية من خلال البرامج التي تقدمها في هذه المناسبة بعض القنوات الفضائية اليمنية وبالكتابة ايضاً،
وفي الأسبوع الماضي تواصل معي بعض الاخوة منسقي البرامج في هذه القنوات لأكون معهم في هذه المناسبة فاعتذرت لهم لأن الواقع الذي نعيشه ويعيشه الوطن والمواطن غابت عنه الفرحة وتلاشى ذلك الألق الجميل المتوهّج والأحلام الرائعة والأمنيات التي تملأ الآفاق فبالتالي ماذا سأقول في هذه المناسبة العظيمة والواقع مزري بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولهذا اعتذرت عن المشاركة، وهو اعتذار لنوفمبر العظيم ولهذه الذكرى الخالدة، وفي حقيقة الأمر ماذا كنت سأقول والوطن قد وصل الى هذه المرحلة من التشظي والضياع، ووصل الحال بمعظم المواطنين الى أدنى المراحل في مختلف نواحي الحياة، وتشرد الملايين من مدنهم وقراهم الى مناطق أخرى أو الى مناطق مختلفة من بلدان العالم، وفي الوقت نفسه وصل القلة القليلة من الانتهازيين الى أعلى مراحل الترف والبذخ في كافة شئون حياتهم،
وقد خطرت في بالي وربما في بال الكثيرين أسئلة منطقية كثيرة بأبعادها الكبيرة وأقول وسيقولها غيري ولربما قد قالوها وترددت على ألسنتهم هذه الأسئلة فهل حقيقة استعدنا الكرامة يا نوفمبر؟ وهل أصبحنا اسياداً على أرضنا؟ وهل صنعنا حياة جديدة في أرض الواقع كما كنا نحلم بها أم رسبنا في المراحل الأولى؟
وهل أصبح الكل مالك لأرضه؟ كما قال الشاعر وهل استفدنا من خيرات الأرض قاطبة؟ أم أن الطبطبة للولي والفائدة للقائم عليه كما يقول المثل العدني؟
حقيقة انني حائرٌ وفي غاية الحيرة في أن أجد للسؤال جواباً،
هل نحن بهذا الضعف والهزالة بأن تتحكم بنا الأهواء والنزاعات؟ وهل غابت عن وطننا العقول النيّرة وأصحاب الرأي السديد والرشيد ليتصدّر المشهد كل زاعق وناعق؟
وهل مازالت نتائج سياسة (فرّق تسُد) التي وضعها المحتل البريطاني مازالت تؤتي ثمارها لسياسته وأهدافه البعيدة حتى وإن قد رحل شكلياً عن أرضنا؟
حقيقة أسئلة متعددة تزيد الحيرة وفتن كقطع الليل المظلم يصبح الحليم فيها حيران كما قال سيّد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام،
وأعود متأملاً في أبيات الشاعر احمد صالح عيسى
وأقف عند هذا البيت بمعناه الشامل وليس الخاص
(والكل مالك لأرضه من خيرها يستفيد)
وأطرح هذا السؤال ايضاً فهل استفدنا من خيرات أرضنا؟ هل استفدنا من الموقع الاستراتيجي لمدينة عدن وغيرها؟ وهل استفدنا من مينائها الذي طوّره حينها المحتل البريطاني ليس لسواد عيوننا بل لخدمة شركاته التجارية العابرة للقارات وجيوشه واساطيله التي تحوم في البحار حول مستعمراته في مختلف القارات، رحل من الميناء فما كان لدى الفئة التي حكمت فكر الاستفادة منه لصالحها وصالح الشعب ولكن البريطاني رحل وصنع موانئ أخرى لشركاته وتجارته ما كان لها أن تحقق هذه النجاحات لو أن هناك عقولاً أدارت ميناء عدن بعقلية استثمارية بعيدة المدى، ولكن فعلاً كما قال الشاعر:
واللي يدير المشاكل يديرها من بعيد
ومعذرة مرة أخرى يا صناع نوفمبر.