مدينة مثل إدلب، كانت حاضنة لكل المكونات السياسية والعسكرية السورية الثائرة، حتى أنها كانت تشهد تظاهرات قوية معارضة للجولاني بحرية تامة.
أما في اليمن، فإن كل فصيل سياسي وعسكري ينفرد بمدينة لوحده ويقيم فيها دولته وحكمه الذاتي الخاص به وبأتباعه، ولا يقبل أبدا بوجود مكون سياسي أو عسكري آخر مناوئ للحو*ثي بجواره، وينصب محاكم التفتيش على مداخل مدينته (النقاط العسكرية) لتصنف كل قادم إليها من أي لون سياسي أو مناطقي هو، من ثم تقرر، اعتقاله أو تحديد هدفه من الزيارة ومكان اقامته، وتبدأ عملية رصد تحركاته ومراقبته حتى يغادر، وقد يمنع من الدخول الا بكفالة او معرف.
وهذا لا ينفي وجود بعض الاستثناءات، كإعطاء مشاهير السوشال ميديا حرية التنقل بين مدن (ملوك الطوائف) لتجميل الصورة ليس إلا.
ولا يقف الوضع عند هذه الحال فحسب، بل ان المكونات السياسية والعسكرية اليمنية الشرعية تضيق ذرعا حتى بأتباعها الذين ينتقدون سياستها ويحاولون إصلاح اعوجاجها وتلجأ إلى مضايقتهم وترحيلهم إلى مدن أخرى لا تسيطر عليها أو ايداعهم الزنازين والمعتقلات.
إذن، والحال هذه، فإن المقارنة بيننا وبين مكونات الثورة السورية المنتصرة مقارنة تفتقر لمعرفة كافية بالواقع اليمني وتعقيداته وافتقاره لقائد حقيقي جامع وبرجماتي ولديه سعة صدر وقبول بالآخر الذي يشاطره ذات الهدف كالقائد أحمد الشرع.
حتى وإن وجد قائد، هنا أو هناك، يحاول استقطاب الجميع وتشكيل قوة ومكون سياسي من كل أطياف الشعب اليمني، فإن الممارسات الميدانية دائما تختلف مع ما يصدر من حديث سياسي يتعالى عن الخلافات البينية وتصريحات من حين لآخر لا تلقى تطبيقا حقيقيا على الأرض ما يجعلها مجرد زيف وباطل وجد للاستهلاك الإعلامي فحسب.
ولذلك، فإننا ما نزال بعيدين كل البعد عن إسقاط جماعة الحو*تي واستعادة صنعاء بمثل هذا الخليط السياسي والعسكري غير المتجانس، واذا سقط الحو*ثي بعمل خارجي، فستشهد العاصمة صنعاء وغيرها من المدن صراعات ومعارك بين أطراف الشرعية ذاتها ليتمكن طرف وحيد من إحكام سيطرته المطلقة على البلاد. وما يجري الآن هو استعدادات من كل المكونات السياسية والعسكرية الشرعية، ليس لمواجهة الحو*تي، للأسف، بل لمعركة اليوم التالي بعد سقوط المليشيا الإيرانية وتحرير صنعاء..
هذا ما يحدث فعليا، وان لم يعجب البعض هذا الطرح، لكنها الحقيقة التي لن تغيب عن وعي وبصر كل مراقب متجرد وموضوعي لواقعنا.