آخر تحديث :الجمعة-27 ديسمبر 2024-09:36ص

أين نحن من زمن بن ثعلب

الأربعاء - 25 ديسمبر 2024 - الساعة 06:10 م
محمد أحمد بالفخر

بقلم: محمد أحمد بالفخر
- ارشيف الكاتب


حقيقة عندما اتصفح بعضاً من كتب التاريخ الحضرمي رغم ندرتها ولم تكن نادرة في حقيقة الأمر لكنها طُمِسَت او غُيِّبَت بفعل فاعل أو فاعلين إن صح التعبير،


وبين يديّ كتاب (حضرموت بين القرنين الرابع والحادي عشر للهجرة بين الإباضية والمعتزلة) للأستاذ سالم فرج مفلح رحمه الله صادر عن دار حضرموت للدراسات والنشر لعام 2006 م وأولى ملاحظاتي على الطبعة كثرة الأخطاء المطبعية التي تعكّر مزاج القارئ وتضيّع لذّة القراءة والاستمتاع بها، وهذا لا يعيب الكتاب ولا الكاتب رحمه الله ولا يقلل من جهده الكبير الذي بذله، ويكفيه شجاعة وإقداماً أنه خاض غمار هذا البحر العميق الذي لا يراد له أن يقترب من ساحله أساساً فكيف بالوصول إلى لجّته،


وقطعاً ستكون لي وقفات عند كثير من فصول الكتاب إن يسر الله ليَ ذلك،


ومما استوقفني ما أورده في الصفحة 330 ما قاله عن الإمام محمد عمر باجمّال رحمه الله من كتابه (مقال الناصحين) صفحة 280 أنّ والي (تريس) عمر بن سليمان بن ثعلب الكندي رحمه الله كانت له أحوالٌ محمودةٌ، وشفقةٌ على الرعية، ونظر وتفقد تام،


وذكر أنه لحوائج أهل بلده من الحمير أربعة ولنفسه اثنين، ومن البقر لحاجتهم ثورين، ولنفسه ثورين، وكان كُلّ ما عنده من الماعون والآلة للحرث وغيره مبذولاً لهم وكان يتفقد أهل الفقر والحاجة ويواسيهم ويحسن إليهم، ولا يترك المتخاصمين فيها حتى يصلح بينهم ويطيّب خواطر بعضهم على بعض، ولو أن يتحمّل في ذلك مالاً جزيلاً،


ويقول باجمّال ايضاً: أن الوالي عمر بن ثعلب الكندي في إحدى جولاته التفقدية على رعيّته اشتكت اليه إمرأةٌ أن عشاءها من غير ملحٍ لأنها تفتقده، فقال في نفسه أن الولاية لا تجوز لي وهذه المرأة بلا ملح،


هنا أتوقف متأملاً كم من نماذج رائعة من تاريخ رجال كنده في حضرموت قد تم تغييبهم قسراً حتى لا تذكرهم الأجيال المتلاحقة، وفي حقيقة الأمر أقولها وبكل أسى كم خسرت حضرموت بضعف كنده واستضعاف رجالها وإبعادهم عن صدارة المشهد قروناً عديدة، بداءً من حملة عِكرمَة ابن أبي جهل مروراً بأبي شعيب البارقي والسعدي ثم حملة معن بن زائدة الاستئصالية ثم حملة عثمان الزنجبيلي الذي قضى على أكثر من ثلاثمائة عالم ومفتي في تريم وانتهاء بحملات الصليحيين والرسوليين والطابور الخامس،


وهنا أتذكر ما قاله لي احد الشخصيات الحضرمية وهو ينتمي لإحدى القبائل الشهيرة في الوقت الحاضر أن حضرموت خاصة واليمن عامة لن تصلح ويستتب أمرها إلاّ بأحد رجال كنده الأشاوس، وهنا سأتوقف لأن الحديث ذو شجون وسيطول على القارئ الكريم، وسأعود لحالة الوالي بن ثعلب وكيف أنه مستشعر همّ المسؤولية التي أُلقيت على عاتقه، وكل مساحة ولايته ربما لا تتجاوز خمسين كيلو متراً تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً وإذا رأينا الآن من يتولون المسؤوليات كيف لا يقدّرون حجم المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى يوم يلقونه، لأن الأولوية لديهم لم تكن الرعية على الاطلاق، أولوياتهم الحفاظ على الكرسي أطول فترة زمنية ممكنة، تأمين احتياجات الاسرة ثم الأقرب فالأقرب وبعد ذلك مراكز القوى المتعددة وأيضاً وفق ثقلها المادي والمعنوي وبعد ذلك الاستثمارات الاقتصادية العاجلة وطبعاً من خلف الستار وبطبيعة الحال مثل هذه الحالات سينام قرير العين على الفُرش الوثيرة المصنوعة خصيصاً لطبقة الخمسة نجوم حتى يحلو له النوم ولا تأتيه الكوابيس المزعجة في منامه فيتذكر من خلالها صيحات أطفال الفقراء الذين لا يجدُ أهاليهم قوت يومهم، ولن يتذكر الظلام الدامس في معظم أحياء البسطاء وكذلك لن يسمع أنين المرضى الذين لم يجد أهاليهم تكاليف سفرهم للعلاج في خارج البلاد، فهذه ليست من أولوياته ولا يعتبرها من المسؤوليات الملقاة على عاتقه لأنه يعلم علم اليقين أنه لن يحاسبه أحد عليها في الدنيا، وأما حساب الآخرة فيظن انها جازعة كحال الدنيا،


طبعاً مثل هؤلاء لن يكتب عنهم رواة التاريخ الحقيقي كما كتب عن عمر بن ثعلب رحمه الله،


لكنه سيجد من المطبلين يقول فيه المعلقات الطوال وسيجد من يتحدث عنه في المساحات ويوصله الى عنان السماء.


وما أكثر العِبَر وما أقل المعتبرين.