جميل جدا ان تبذل الجهود وتنفق الأموال من أجل إحياء موروث شعبي كاد ان يندثر، أو ربما مات منذ سنين، ولكن الغريب جدا ان تحاول إحياء موروث قوم هم بحاجة من يعيد لهم الروح فيحييهم أولا قبل ان يحيي موروثهم الشعبي. تلك هي الحماقة التي أعيت من يداويها.
لقد زار الأديب والمفكر المصري طه حسين فلسطين قبل قيام دولة إسرائيل، حيث استقبله زعماء القبائل الفلسطينية بحفاوة كبيرة وتسابقوا في ضيافته وإكرامه. لم تنتهِ ضيافة أحدهم إلا وبدأت ضيافة الآخر. هذا الكرم العربي الأصيل كان جزءًا من تراثهم الذي تمسكوا به أينما وجدوا.
وفي تلك الزيارة، طلبت زعامات اليهود في فلسطين من طه حسين زيارة أحيائهم وقراهم، فشجعه السفير المصري على تلبية هذا الطلب. لم يكن اليهود مثل العرب في كرم الضيافة، وبدلاً من الولائم الكبيرة، نظموا له جولة من مدرسة إلى أخرى، ومن معهد إلى آخر، ومن مختبر علمي إلى الذي يليه. هكذا كانت جولته بين اليهود، ولم يتركوه يجوع.
وعندما عاد إلى مصر، قال مقولته الشهيرة التي مضمونها: **"شتان بين من يملأ البطون ومن يملأ العقول، إني أرى أن دولة إسرائيل ستقام قريبًا."**
أوجه هذه المقدمة لكل من ينفقون الأموال الطائلة على مهرجانات سباق الخيل والإبل. رغم جمالها ومكانتها الثقافية، إلا أنها لا تختلف كثيرًا عن شراء سيارة فاخرة بدون امتلاك قيمة وقودها. هناك أولويات أساسية لا يمكننا تحقيق النجاح بدونها. فلننفق على تعليم الطلاب المتفوقين بدلاً من إنفاق المال على آلاف الجمال، ولنستثمر في ابتعاثهم لمواصلة دراستهم في بلدان العلم بدلاً من سباقات الخيل والهجن. إن ما يقوم به منظمو تلك الأنشطة والداعمون لها هو عمل طيب، ولكن أولويات حاجات المجتمع هي الأهم. لا تنخدعوا ببذخ أهل المال، فالله يقف إلى جانب العقل السليم والتوجه القويم والمدفع السليم.