تشهد الأسواق اليمنية في الفترة الأخيرة وفرة كبيرة في إنتاج البصل والطماطم، مما أدى إلى انهيار الأسعار وخسائر فادحة للمزارعين. السبب الرئيسي لهذا الوضع هو إيقاف السعودية استقبال هذه المنتجات، بعد أن كانت اليمن تعتمد على تصديرها إليها وعبرها إلى أسواق أخرى.
هذه الأزمة لم تكشف فقط ضعف السياسات الاقتصادية للحكومة اليمنية، بل وضعت أيضًا دول الجوار، وعلى رأسها السعودية، أمام اختبار حقيقي لمدى صدق حديثها عن دعم اليمن. فإذا كانت هذه الدول تتحدث ليلًا ونهارًا عن مساعدة اليمن، فلماذا تغلق أسواقها أمام المنتجات اليمنية بينما تغرق السوق اليمني بصادراتها؟
وفي ظل الانهيار المتسارع للريال اليمني وارتفاع الأسعار الجنوني، يمثل التصدير أحد الحلول الأساسية لدعم الاقتصاد الوطني من خلال إدخال العملات الأجنبية وتقليل الفجوة بين الاستيراد والتصدير. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة اليمنية غائبة تمامًا عن هذا الملف، تاركة المزارعين والتجار يواجهون مصيرهم وحدهم.
هناك عدة طرق تتعامل بها الدول الناجحة مع التصدير الزراعي، ومن ضمنها:
1. التنسيق مع دول الجوار:
الدول التي تحترم اقتصادها تضمن علاقات تجارية متوازنة مع جيرانها، بحيث لا يكون التبادل التجاري في اتجاه واحد. دعم اليمن لا يجب أن يكون مجرد مساعدات إنسانية وصدقات، بل فتح أسواق حقيقية أمام المنتجات اليمنية، كما تفعل الدول التي تحرص على تكاملها الاقتصادي مع جيرانها.
إذا كانت السعودية والإمارات تدعمان اليمن كما تقولان، فلماذا لا يكون من ضمن هذا الدعم السماح للمنتجات الزراعية اليمنية بدخول أسواقهما؟ دعم اليمن لا يكون فقط عبر إرسال شحنات غذائية أو أموال لحكومة الفنادق، بل بفتح المجال أمام المنتجات اليمنية لتباع في أسواق عادلة، بدل أن تفسد في الحقول أو تُرمى في الشوارع.
فتح الأسواق أمام الصادرات الزراعية ليس منّة أو إحسانًا، بل هو جزء من التعاون الاقتصادي المتبادل الذي تستفيد منه جميع الأطراف. وإذا كانت هذه الدول حقًا حريصة على استقرار اليمن، فإن أبسط خطوة يمكن اتخاذها هي السماح بتدفق المنتجات اليمنية إلى أسواقها بدلًا من فرض القيود عليها.
2. تنويع الأسواق لتحرير اليمن من قبضة القرار الواحد:
الحكومة اليمنية مطالبة بالتحرك سريعًا لفتح أسواق جديدة، بدلاً من الاكتفاء بالبكاء على إغلاق الحدود السعودية، وياليتهم يستشعرون المعاناة ليبكون. هناك أسواق في إفريقيا، وشرق آسيا، وحتى بعض الدول الأوروبية التي يمكنها استقبال المنتجات اليمنية، لكن هذا يحتاج إلى جهود دبلوماسية وتجارية حقيقية، لا إلى حكومة تعيش في فنادق الرياض وتنتظر القرارات من الآخرين.
ان بقاء التصدير اليمني مرهونًا بقرار دولة واحدة هو كارثة اقتصادية، وهو ما نشهده اليوم. الحكومة اليمنية لم تبذل أي جهد يذكر في البحث عن بدائل، رغم أن ذلك يمكن أن يساهم بشكل مباشر في دعم العملة المحلية، وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية التي تستنزف ما تبقى من احتياطي النقد الأجنبي.
الحكومة اليمنية المقيمة في الفنادق لم تحرك ساكنًا تجاه هذه الأزمة، وكأنها غير معنية بمعاناة المزارعين والتجار. ولو كانت هذه الحكومة تمتلك الحد الأدنى من المسؤولية، لكانت استخدمت هذه الأزمة كورقة تفاوض مع دول الجوار، ولكن للأسف هذه الحكومة لا تمتلك أي رؤية اقتصادية.
ان المزارع اليمني لا يطلب إحسانًا، بل يطلب عدالة اقتصادية. اليمن ليس متسولًا أمام دول الجوار، بل شريك اقتصادي يجب أن يُحترم. وإذا لم تتحرك الحكومة، فإن الشعب اليمني سيدرك أن "دعم الأشقاء" ليس سوى وهم يخدم مصالحهم فقط، لا مصلحة اليمن.
فهل يمكن لحكومة الفنادق ان تتحرك؟ أم أن بطونها الممتلئة من صفقات الفساد تجعلها غير معنية بملايين اليمنيين الذين يكافحون من أجل البقاء؟