وسط أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها اليمن، تتصاعد المخاوف بشأن مصير ثرواته، في ظل غياب الشفافية عن إدارة ملف النفط والغاز. تتردد أنباء وشبهات حول اتفاقات تُبرم في الخفاء، بعيداً عن أعين الشعب والجهات الرقابية، ما يثير القلق من احتمال ضياع ما تبقى من مقدرات الوطن لصالح مصالح ضيقة. وبينما تغيب التوضيحات الرسمية، يبقى صمت الجهات المعنية مدوياً، وكأنه اعتراف ضمني بأن ما يحدث ليس سوى فصل جديد من فصول العبث بثروات البلاد. والغريب أن الحكومة التي يُفترض أن تكون حاميةً لموارد الدولة أصبحت عبئاً على الوطن والمواطن، لا تقدم حلولاً ولا حتى تبريراً لما يحدث، وكأن الفوضى هي الخيار الوحيد الذي تجيد إدارته.
أما في صنعاء، فحتى وإن كانت بمنأى عن هذه الملفات بحكم عدم الاعتراف الدولي بها، إلا أن سلطتها الحاكمة ليست أقل سوءاً في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها. فالمؤسسات التي يُفترض أن تكون في خدمة المواطنين، باتت أدوات تُستنزف لمصلحة فئة محددة، فيما يعيش الملايين بلا رواتب، بلا خدمات، وبلا أمل في انفراجة قريبة. تتعامل هذه السلطة مع الموارد العامة كغنيمة، تُفرض فيها الجبايات ويُنهب ما تبقى من إمكانيات، دون أي رؤية حقيقية لإنقاذ الاقتصاد المنهك.
أما في عدن، حيث يُفترض أن تعمل الحكومة المعترف بها دولياً، فقد تحولت إلى كيان بلا هوية، وزراؤها يقضون معظم أوقاتهم في الخارج، بينما يزورون عدن بين الحين والآخر وكأنهم ضيوف عابرون لا قادة دولة مسؤولة. أولادهم وأسرهم ينعمون في الخارج بحياة الرفاهية، بينما يستلمون رواتبهم بالدولار على حساب شعب يموت جوعاً. كيف لمن ترك وطنه أن يدّعي تمثيله؟ وكيف لمن لا يعاني أزمات البلاد أن يفكر في حلها؟ الحقيقة المرة أن هذه الحكومة أصبحت عبئاً إضافياً على اليمن، لا تختلف في فسادها وعجزها عن أي طرف آخر، بل ربما تجاوزتهم بمزيج من الاستهتار والانفصال التام عن واقع شعبها.
إن استمرار هذا العبث، سواء في عدن أو صنعاء، لن يمر دون تبعات. نحذر الحكومتين من مغبة الاستمرار في سياسات التجويع والفساد، كما نحذر الشركات والمنظمات الدولية من الانخراط في أي صفقات استراتيجية تُبرم في الخفاء، دون مشاركة وطنية شفافة. أي اتفاق يمس سيادة اليمن وثرواته، ويُبرم مع طرف دون الآخر، لن يكون مقبولاً، والشعب لن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى وطنه يُنهب باسم المصالح السياسية والاقتصادية.
قد يقول البعض: "ومن تكون لتحذر؟ وماذا عساك أن تفعل؟" لكنني لست فرداً، بل صوت من أصوات الشعب، والشعب هو القوة الحقيقية التي لا يمكن تجاهلها. الحكومات الفاسدة تراهن على صمت الناس، لكن عندما يتراكم الغضب، يتحول إلى طوفان لا يوقفه أحد. قد لا أملك سلطة القرار، لكنني أملك الكلمة، وأملك الحق في التعبير، وهذا وحده سلاحٌ لا يُستهان به. واليوم، لم يعد الصوت محصوراً في زاوية، بل يمكنه أن يصل إلى كل مكان، يحشد الرأي العام، ويكشف الحقيقة، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
اليمن ليس إرثاً لفئة أو سلعة تُباع لمن يدفع أكثر. ومن يعتقد أنه قادر على فرض الأمر الواقع ونهب الثروات دون حساب، فهو واهم. الحكومات تأتي وتذهب، لكن الأوطان باقية، والتاريخ لا يرحم من جعلوا من مناصبهم أعباءً فوق معاناة شعوبهم!