آخر تحديث :الأربعاء-02 أبريل 2025-06:20ص

بعيد الأم العالمي كم أنتِ عظيمة يأمي

الجمعة - 21 مارس 2025 - الساعة 11:43 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب



في المناسبة العظيمة، 21 مارس، عيد الأم العالمي، أحاول النبش في الماضي. لانقل فيها كم انت عظيمة يأمي والماضي نوعان: أحدهما عشته بنفسي مع أسرتي، والآخر ذلك الذي حدث قبل أن أوجد في هذا العالم. إننا لا نكتب الماضي، وإنما، على الأرجح، نواجه ذاكرته. نسائل ذاكرتنا، نقلّبها، بما يعتمل فيها من صور وأحلام وإحباطات وآلام. في كل قصة، يقدم أرباب كل أسرة سرديتهم الخاصة، سردية غير معلنة، تستخلصها الأجيال التالية الأبناء من الآباء، أو الأحفاد من الأجداد، وهكذا. هناك سرديات كبرى وأخرى صغرى. أما الصغرى، تلك المرتبطة حصرًا بالأب والأم أو بالتفاصيل اليومية، فتبدو أكثر صدقًا وحميمية. وكما قلت، تتخلق تلك السردية بأثر رجعي، تتجمع من شتات الحكايات والمواقف. والآن، أحاول استنتاج السردية الخاصة من حياة أمي. مع والدي، قصة كفاح تستحق أن تُمنح وسام الأمومة، وتُكرّم اليوم بوسام عيد الأم الذي يصادف 21 مارس من كل عام. كافحت أمي واجتهدت، وضعت هدفها الأول أن نعيش ونتربى في ظل أسرة متماسكة، رغم أن والدي –رحمه الله– كان في بداية عمره، لا يعير ذلك الهدف اهتمامًا. لكن أمي عايشت الأشواك، وظلمت نفسها لتسعدنا. وجدتها تتظاهر بالقوة بينما الضعف يسكنها. وجدتها الميناء والمرسى ومحط رحال المتعبين، وفي الوقت نفسه، محراب الأمان ومنبع الحنان وشواطئ النجاة لنا حين كانت الأيام تهزمنا. كانت أمي مصلانا، تبنينا. أتذكر كيف كانت تحاول إسعاد أبي، تحاول خلق بيئة صحية، وتعاملت مع المشاكل بالصبر. كانت تحترم حدودها، أكثر اتزانًا في تصرفاتها. كانت أمي تقول لنا دائمًا: "اضحكوا في وجه أبيكم عندما يعود إلى البيت، فالعالم في الخارج موحش، يحطم الآباء." كم هي عظيمة تلك الأم التي تُدرك ما يتعرض له الأب! وإذا كانت هذه نصيحتها لأبنائها، فماذا كانت تفعل هي؟ إن مثل هذه الأقوال لا بد أن تُكتب بماء الذهب، لأنها تؤدي إلى استقرار البيوت. وجدتكِ يا أمي... المرأة المتصالحة مع نفسها، الفريدة في أفكارها، المتمسكة بمبادئها ومواقفها، الصادقة الصريحة مهما كانت العواقب. خاضت كل معارك الحياة بمفردها، وفي عزّ خيباتها وصدماتها لم تخرج للعالم تتسوّل الشفقة، ولم تظهر كضحية، بل كتمت أوجاعها، ولم تلجأ إلا لنفسها. عاشت بعاطفة روح مشتعلة حتى احترقت وأصبحت رمادًا، ثم بُعثت من الرماد كطائر مبهر لا أحد يستطيع أن يوقفه. امرأة حاربت ظلمات الدنيا وظلماتها، وخرجت من أعماق الجحيم حرة، قوية، بقلب يتفجر بالعطاء، جاذبيتها كالنور المنبعث من وطن روحها. مصدر نورها ليس رياءً، وليس تصنّعًا، بل روح شفافة لا تخضع لزيف الشياطين التي تسكن في أعماق الإنسان. تطير بمفردها كالصقر، وتجعل من أشد أوجاعها سلمًا ترتقي به إلى آفاق جديدة، وتخرج من محن الحياة كفراشة ملونة لا ترضى إلا بالجنة التي تستحقها. فكم من لغة أحتاج كي أصيغ كلمات مناسبة تليق بعظمتك يا أمي؟ اللهم ارزق أمي فوق عمرها عمرًا، وفوق صحتها عافية، ولا تحرمني من وجودها ورضاها، واجعل سعادتها كظلها ترافقها. اللهم اجعلها من الذاكرين لك، الشاكرين لك، الطائعين لك. كل عام وأنتِ بألف خير، يا أمي، يا أغلى وأحلى وأطيب امرأة في الدنيا. فكل يوم تتنفسين فيه، هو عيد بالنسبة لي. سألوني عن أمي، فقلت لهم: ليس لدي كلام حب، لكني أحبها. ليس لدي عبارات عن الأم، لأنني لا أملك وصف قطعة من الجنة.