قبل عدة سنوات، قرأت خبر تعيين مدير جديد لمكتب الصحة في العاصمة المؤقتة عدن بدلًا من المدير السابق، د. علي عبدالله صالح، كنت حينها قد كتبت تقريرًا عن بدء تدهور الخدمات في مستشفى الجمهورية، وحذّرت من جرّ بقية المستشفيات الحكومية في عدن إلى قائمة التدهور المخيف.
قرأ التقرير أحد العاملين الصحيين، الذي يحظى اليوم بمنصب في وزارة الصحة والسكان، وقال لي بنبرة سخرية: "أنت تدور للهدرة الفاضية! ذا كان في زمان المدير السابق، أما الآن فقد جابوا الدكتور أحمد البيشي، وبايتغير الوضع كليًا، وباتشوف هذا مستشفى الجمهورية ينافس أكبر المستشفيات الخاصة في البلد ذات الإمكانيات العالية."
لم أعر كلامه أي اهتمام، وقلت له: "الكتاب يُقرأ من عنوانه، ولك في الأيام القادمة يا رفيق خير دليل، سنرى هل سيتغير حال مستشفى الجمهورية ويغدو كمستشفى البريهي أو بن سينا أو عدن الألماني؟ وحينها سيكون لي حديث من نوع آخر، وسأذكّرك بما قلت لك... احفظ كلماتي هذه."
أغلقت المحادثة معه بهذه الكلمات، وبقيت لفترة أترقب تحركات المدير العام، لكنني لم أرَ لها أي بصمات على أرض الواقع، سوى أخبار ولقاءات فارغة لا تخرج بحبة إبرة قد يستفيد منها مريض يومًا ما عند تلقيه العلاج في مستشفى حكومي.
كنت في كل مرة أقول: "أعطِ الرجل وقتًا يا ماهر، فقد جاء في وضع سيئ جدًا، ومع الوقت سيعمل بإذن الله، ما عليك إلا أن تصبر" وصبرت فعلًا، حتى وصل الحال إلى أن أحد المستشفيات الحكومية في عدن رفض استقبال المرضى بحجة امتلاء الأسرّة وعدم قدرته على استيعاب المزيد.
كتبت عدة شكاوى عمّا كان يحدث، من رفض استقبال المرضى وسوء المعاملة، وصولًا إلى إغلاق مركز الغسيل الكلوي أو نفاد المحاليل، لكنني لم أجد أي استجابة أو توضيحًا من مكتب الصحة يفيد بوجود مدير يسمع هموم الناس ويسعى لتخفيف معاناتهم.
وظل الحال لسنوات يزداد سوءًا، وإذا وجدنا أحدًا يعمل بضمير وصمت، وجدنا مكتب الصحة قد بدأ بزرع الأشواك في طريقه، كما حدث مع طيبة الذكر، الدكتورة كفاية الجازعي، مديرة مستشفى الصداقة الأسبق، التي تعرض مكتبها للاقتحام، ثم أقيلت واتُهمت بالفساد، حتى ظهرت براءتها قضائيًا وأمام الرأي العام، لكنها لم تلقَ سوى اعتذار ووعود بتطييب خاطرها، كانت مجرد استهلاك إعلامي.
وفوق هذا كله، لم يكتفِ مكتب الصحة بذلك، بل أخطأ مؤخرًا مديره بحق الأخت سماح المسؤول في الصحة بعدن، وتلفّظ بما لم نتوقع أن نسمعه يومًا من مسؤول حكومي في مركز هام كمكتب الصحة، وبكل برودة، قدّم اعتذاره وقال: "الموضوع نخشوه ناس."
الأخ محافظ عدن الموضوع بين يديك، أنكز البيشي أو انخشوا الموضوع، لا تُنهكوا ما تبقى من مؤسسات الدولة، ولا تُضاعفوا معاناة الناس.