آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-05:12ص

المرتزقة في مخيلة أطفال السبعينات

الخميس - 27 مارس 2025 - الساعة 11:55 م
أ.د.الخضر حنشل

بقلم: أ.د.الخضر حنشل
- ارشيف الكاتب


لا اعلم في حقيقة الأمر معنى اصطلاحي محدد لكلمة المرتزقة، فهي لفظة لاكتها الألسن الرسمية والشعبية في فترة السبعينات من القرن الماضي.

لم نكن نعلم نحن الصبية في ذلك العهد الجميل معنى هذا المصطلح، بل كنا نرتعب وترتعد فرائصنا إذا سمعنا كلمة مرتزق ،وننفر هاربين من المكان فإذا قيل لنا إن المرتزقة مروا من هذا النجد أو هذا الشعب عم الرعب قلوبنا ،ومنعنا الغنم أن تطأ بحوافرها ذلك المكان المرعب خشية أن نواجه المرتزقة، فهم كابوس مرعب ربما تخور قوانا نحن الأطفال امامه،كيف لا وقد زرع فينا الأهل ذلك الهلع والخوف وشيطونهم شيطنة نظير لها فيكفي أن تسمع هذا المصطلح فيقشعر بدنك.

والغريب في الأمر أننا لم نر المرتزقة رؤيا العين ، ولم نواجههم ولو صدفة، ولو عابري سبيل،بل كنا نسمع عنهم ولا نراهم ،كالجن نسمع عنهم قصص عجيبة دون أن نراهم، فقط كنا نظنهم يتخفون في مكان ما مدججين بكل الآت الرعب، وأشباحهم تجتاح مخيلتنا في المرعى،وعند المنام فإذا نبح الكلب في بهيم الليل وزمجرت الرياح ..قال الأهل اسكتوا إن المرتزقة بجوار البيت وربما هم الآن في المزرعة فنهمد ولا ننبس ببنت شفة.

ويمضي الليل مدلهما ،وفي خيالنا اشباح وصور لأناس لم نراهم ولو مرة واحدة..

وصار هذا الأمر ديدننا فما أن يسربل الليل بظلامه ويعم أرجاء القرية حتى تبدأ مخيلتنا تبحث عن صور اولئك المرتزقة في اللاوعي نرسم لهم صورا ملامحها قاسية ربما لاتخطر ببالك اخي القارئ.

وتمر السنون ويمضي العمر سادرا غير عابئ بتلك المنحدرات والنكبات التي شهدها وطننا الجنوب ،ويضمحل مصطلح المرتزقة فلم نعد نسمع عنهم عند نباح الكلاب ولا عند هزيم الرعد .

لقد تغير كل شي حتى اصوات الكلاب تغيرت كثيرا ،وتغير صوت بابنا الخشبي القديم، فلم نعد نسمع طقطقه المرعبة كما كانت في زمن الطفولة، ولم نعد نسمع حشرجة الأشجار ،وهواتف الرياح

..لقد توارى كل شي ولم نعد نسمع ذلك المصطلح إلا فيما ندر وعلى سبيل الدعابة..

وبعد مرور العمر وكر السنين تطاولت الأيام وعاد مجددا ذلك المصطلح يطرق سمعنا في زمن القحط،النكسة، فرأيت الناس يكثرون من هذا المصطلح في مجالسهم حتى قرأت لأحدهم مقالا قال فيه. إن ارخص مرتزقة في العالم اليوم يوجدون في اليمن ..

وعدت بالذاكرة سنوات طويلة للمقارنة بين المصطلح القديم والجديد ، فوجدت مرتزقة اليوم يمشون بيننا ويركبون السيارات الفارهة ويسكنون القصور الضخمة وينعمون بما لذ وطاب،ولا ينبح عليهم كلاب القرية ،ولاتطاردهم سهام الدولة ،ولم نسمع عنهم في نشرات الأخبار كما كان حال أولئك الرجال الذين سكنوا مخيلتنا جبرا في زمن الطفولة .