آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-08:55م

شهر رمضان.. والوداع الحزين

السبت - 29 مارس 2025 - الساعة 01:18 ص
د. عارف الحوشبي

بقلم: د. عارف الحوشبي
- ارشيف الكاتب


.......

✍🏼 د. عارف محمد الحوشبي


هاهو رمضان يمضي سريعًا، وكأنه ضيف عزيز لا يكاد يحط رحاله حتى يتهيأ للرحيل، ننتظره بشوق ولهفة ونستقبله بفرح غامر ولكنه ما إن يقارب على الانتهاء حتى يغمرنا حزن الفراق، إنه الشعور الذي ينتاب القلوب المؤمنة حين ترى أيام الرحمة والمغفرة تنقضي دون أن تدري هل كتبها الله في سجل المقبولين أم أنها لم ترتقِ إلى درجة القبول.


يأتي شهر رمضان المبارك كل عام محمَّلًا بالروحانيات والنفحات الإيمانية العطرة ويحمل معه سكينة للقلب وطمأنينة للنفس وغذاء للارواح يُعيد إليها شوقها للتقرب إلى الله، وفرحتها بصيام النهار وقيام الليل ولكن ما إن تقترب أيامه الأخيرة حتى يلفُّ القلب شعور غريب، مزيج من الحزن والفقد وانكسار في القلب كلما شعر ان لحظات الوداع قد ازفت وكأن الأيام المباركة تُسرع في الرحيل قبل أن نرتوي منها.


لرمضان وقع خاص في النفوس، فهو شهر البركات والرحمات، والفرصة التي يمنحها الله لعباده ليعودوا إليه بقلوب نقية وأعمال صالحة، وحينما نشعر بالحزن نشعر به لأننا نودّع أيامًا كنا فيها أقرب إلى الله، وأعمالًا كنا نواظب عليها بحماس لا نراه في غيره من الأيام، وأجواءً رمضانية لا تتكرر إلا بعد عام، نحزن لأننا نخشى أن نكون قد قصرنا في اغتنامه كما ينبغي وأن يكون قد مضى دون أن ننال منه ما نرجوه ونخشى أن لا نكون من المقبولين وأن لا نُدرك رمضان القادم.


إننا هنا نتسائل كيف نُبقي أثر رمضان في حياتنا؟ فمع وداعه يجب أن يبقى أثره في قلوبنا وأعمالنا وليكن وداعه بداية لعهد جديد مع الله، نستمر فيه على الطاعات التي اعتدنا عليها من صلاة وذكر وقيام وصيام نافلة ماٱستطعنا وليكن سلوكنا انعكاسًا لما تعلمناه في هذا الشهر الفضيل من صبر وإحسان وتراحم.


رمضان لم يكن مجرد شهر وانتهى، بل هو مدرسة إيمانية تمنحنا دروسًا تبقى معنا طوال العام، فمن كان صادقًا في عبادته خلال رمضان لن يتركها بعده ومن ذاق لذة القرب من الله لن يرضى بالبعد عنه والرحيل الحقيقي ليس رحيل رمضان بل رحيل القلوب عن نور الهداية.


صحيح أن رمضان يرحل عنا وكن الروح الرمضانية يجب أن تبقى معنا طوال العام إذا صدقنا النية وأدركنا أن العبادة ليست مقصورة على شهر واحد بل هي نمط حياة، فلنجعل وداع رمضان محطة انطلاق لا محطة توقف، ولنحمل معنا نوره حتى نلقاه من جديد بإذن الله تعالى.


ختاماً نقول له إلى لقاء قريب بإذن الله، فإن لم نُدركه في عام قادم ورحلنا عن الدنيا نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين في ما مضى، وأن يعوّضنا عنه بجنات النعيم حيث لا وداع ولا حزن.