وجه رؤساء الكنائس في سوريا نصائح للمسيحيين بعدم المبالغة في احتفالاتهم بعيد الميلاد هذا العام، رغم تأكيد الإسلاميين الذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد من السلطة على حرية ممارسة الشعائر الدينية.
وتسلط هذه النصائح الضوء على أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، وهو ما يتمثل في بناء الثقة المتبادلة بين عدد كبير من الأقليات التي عانت جميعها من نظام دكتاتوري وحشي دام لعقود فضلا عن حرب أهلية استمرت 13 عاما.
وطمأن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع المسيحيين وجماعات أخرى بأنهم سيكونون آمنين في سوريا التي تديرها هيئة تحرير الشام، وهي جماعة كانت فرعا لتنظيم القاعدة في السابق.
وتخلى الشرع سريعا عن زيه الإسلامي وبات يرتدي زيا مدنيا.
وقال الشرع لمسؤولين غربيين خلال زياراتهم إلى سوريا إن هيئة تحرير الشام لن تسعى للانتقام من نظام بشار الأسد السابق الذي ينتمي معظم أفراده إلى الطائفة العلوية، ولن تقمع أي أقلية دينية أخرى.
ولكن عددا كبيرا من المسيحيين لم يقتنعوا بذلك بعد.
وفي 18 ديسمبر كانون الأول، أطلق مسلحون مجهولون النار على كنيسة للروم الأرثوذكس في مدينة حماة، واقتحموا المبنى وحاولوا تدمير صليب، وحطموا شواهد قبور في أحد المدافن، حسبما قالت الكنيسة في بيان.
وشاهد مراسلون من رويترز عدة سيارات رياضية تسير في باب توما، وهو حي تقطنه أغلبية مسيحية في دمشق، وتشغل أغاني إسلامية عبر مكبرات الصوت مما أثار قلق السكان.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تظهر مركبة مدرعة تتحرك في حي مسيحي ومكتوب على زجاجها الأمامي عبارة “لقاؤكم قريب يا عباد الصليب”.
وقال المطران أندرواس بحي من كاتدرائية القديس مار جرجس للسريان الأرثوذكس إن هذه الواقعة تثير القلق.
لكنه ذكر أن هيئة تحرير الشام تحركت سريعا فور علمها بالأمر، مما أجبر السائق على إزالة العبارة وتقديم اعتذار. كما قالت الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية إن الشرطة أعلنت سريعا القبض على المشاركين في هذه الواقعة.
وأضاف بحي “موقفنا هو موقف ترقب للأشياء اللي ممكن تحصل لحتى نحكم إنه هل بالفعل هالفصائل اللي جاءت… وكل المجموعات اللي تحكم الآن في سوريا هل هي جادة باتجاه إيجاد مجتمع سوري مدني فيه فرصة لكل أبنائه”.
ولم يتسن الحصول على تعليق من مسؤولي هيئة تحرير الشام حتى الآن.
ندوب الحرب....
في الوقت الراهن، قال بحي إنه ينصح الشباب بالتأكد من ارتداء النساء ملابس محتشمة وإبقاء صور بابا نويل أو القديس نيقولا داخل حرم الكنيسة وتجنب توزيع الحلوى في الشارع كما جرت العادة.
لكن مشاهد الرجال المسلحين الملتحين وهم يقومون بدوريات في شوارع دمشق تزعزع الثقة بين المسيحيين الذين عانوا في سوريا خلال الفترة الماضية.
وتشمل الأقليات العرقية والدينية في سوريا أيضا الأكراد والشيعة وأتباع الكنائس السريانية واليونانية والأرمنية والدروز.
وفقدت إميليا كاتارينا ابنها الأكبر وزوجها خلال الحرب الأهلية.
وكان ابنها فراس عازر يستعد لحفل زفافه لكنه اختفى بعد أن اعتقلته قوات الأسد عند نقطة تفتيش خلال عودته إلى منزله في 29 نوفمبر تشرين الثاني 2012.
وبعد عامين، قصفت جماعة جيش الإسلام المبنى المقابل لمنزلها، مما أدى إلى سقوط شظايا عليه ومقتل زوجها وإصابة ابنتها ماري بجروح.
وبعد كل هذه الصدمات، لا تستطيع إميليا إلا أن تشعر بمخاوف كبيرة تجاه الحكام الجدد في سوريا.
وقالت وهي جالسة بالقرب من صورة لزوجها ملفوفة بالعلم السوري وتمسك بصورة ابنها “كلما سمعت صوتا في الليل، أقفز من مكاني. الخوف متوغل فينا بشدة”.
وأضافت ابنتها “الفكر لا يتغير في ساعة واحدة… نحن خائفون من هذه الإيديولوجية”.
وبعد سقوط الأسد بفترة وجيزة، التقى ممثل من هيئة تحرير الشام مع بحي وغيره من القادة المسيحيين وطلب منهم ألا يخافوا.
وقال بحي إنه لا يعلم مدى صدقه وجديته.
وحتى في حالة بناء الثقة مع هيئة تحرير الشام، فإن المسيحيين يخشون أيضا مجموعة من الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى.