موكب الكسوة
أكتظ الشارع بالمريدين رجال ونساء شيوخ وشباب وأطفال حتى غطى موكب المحتشدين الأفق وهم يرددون:
المدد .. المدد يا ولي الله
وسدنة الضريح يطوفون حول المحتشدين يتفقدوا الموكب ويجهزوا هوادج الضريح ونزع كسوتها القديمة من الأقمشة البراقة ذات الألوان الفاقعة والداكنة ويعيدوا كسوتها بالأقمشة الجديدة ذات الألوان البراقة الملفتة للنظر والجموع المحتشدة تتهاوى باتجاه الكسوة القديمة المنزوعة من على هوادج الضريح ليقتنوا قطعا منها لتجلب لهم البركة والرزق وجموع السدنة (القيمون ) تحاول دفع المريدين المتهافتين على بقايا الكسوة القديمة التي نزعت من هوادج الضريح .
اكتمل لباس الهوادج بالكسوة الجديدة وتبدأ مراسيم الأحتفال والسير في موكب الكسوة تقرع الطبول انذار ببدء الموكب يرفع السدنة الهوادج الذي يبدو أن عددها ازداد هذا العام لزيادة نفقة المريد المتصدق الذي انفق لتجهيز الكسوة ؛ ترتفع الهوادج على اعناق السدنة وينخرط المريدون الذين تدفق حضورهم مبكرا مع الخيوط الأولى للشمس المرسلة نحو الأرض ؛إلى تحت الهوادج ليحملوها بدلا عن سدنة الضريح .
مازالت الطبول تقرع لتزيد من حماسة الحضور وتبعث فيهم الرغبة للسير في موكب الكسوة نحو ضريح الولي المقصود ويرفع القيم ( كبير السدنة) البيرق ( عمود من الخشب المطلي بالعود وعليه أعلام وأجراس) نحو الفضاء وهو يهز البيرق يمنة ويسرة حتى ترفرف الأعلام البراقة وتقرع الأجراس المعلقة لترفع وثيرة نفوس المريدين الذين حضروا مبكرين للسير في موكب الكسوة نحو الضريح في الطرف الأخر من المدينة وقد تزينوا بأفخر ما يملكون من اللباس والزينة وكلما هز القيم البيرق وتردد صدى الأجراس أرتفعت الأصوات للمريدين بما يتردد على لسان السدنة:
حي .. حي
المدد .. المدد يا ولي
المدد .. المدد يا ولي
وعلى جوانب الطريق الذي يسلكه موكب الكسوة ينتشر الباعة الجوالين الذي يعدو العدة للموكب بتجهيز البضائع والمشروبات والأطعمة من الأيسكريم المصنوع من الثلج وبعض العصائر وطعام السنبرة جرام ( حبوب البازلاء مع الخضار والبهارات الحارة) والبطاطا المطبوخة بالحمر( التمر هندي) والمطبوخة بالكاري
وقد اختلط الموكب رجال ونساء وهم يتدفقون ليستظلوا بالكسوة التي يعتقدون أنها تجلب لهم البركة والخير.
وحامل البريق مازال يهز ه وهو يردد بصوته مع انفعالات جسده المرتعش الذي يتراقص على قرع طبول الطنبرة( طبول كبيرة تحدث ضجيج وضوضاء تثير الهمم كأنها طبول حرب) وأجراس البرق المرتعشة:
المدد .. المدد يا ولي الله
وفي جو الإثارة من قرع الطبول و الأجراس و عبارات السدنة ربما يسقط البعض مغشي عليهم يصرعون وتنزع بعض النسوة خمورهن ينعشن برؤوسهن ويتمايلن مع قرع الطبول والأجراس.
وفي الموكب من خرج لمقصد أخر في نفسه فهذه الشابة لا يعنيها من موكب الكسوة شيئ غير أنه مبرر لخروجها واللقاء مع عشيقها وهي تتجول في نواحي موكب الكسوة علها تلتقي بعشيقها،؛ على كتفها من يضع كفيه تلتفت تستدير إلى خلف إذا هو العشيق التي تبحث عنه ترتمي بين أحضانه وهي تردد الطلب :
لن أعود إلى المنزل
يحاول اقناعها بالعودة وهو يقول:
عليك العودة حتى نهيئ طلاقك ونتزوج
ترفع الصوت بكاء وعويل:
لن أعود أشعر أنه قد عرف بعلاقتي بك
يحاول تهدأتها:
لقد لقيته قريبا ولم يحدثني ولم أشعر بذلك من كلامه.
ما زالت الطبول تقرع والموكب يسير وهناك من يترقب عل شيء قد بدا في جيوب الحاضرين فما انخرط في الموكب إلا لينزع مافي الجيوب وحقائب السيدات فأمامه سيدة تتدلى حقيبتها وتكاد تقع يقترب منها ليأخذ ما بها من مقتنيات وهو يستخدم مهارته المعتادة في تنفيذ الامر تمتد يده نحو الحقبة يفتحها لكن السيدة العجوز كانت منتبهة فشعرت به ووضعت يدها على كفه وهي تصرخ:
سارق .. سارق
ينزع يده ويدفعها بعيدا ويفر متواريا بين الحشود والسيدة العجوز ما زالت تصرخ :
أنقذوني عليكم باللص امسكوا به
لكن لا مجيب فالطبول تقرع والأجراس ترن والمريدين منهمكين يالطقوس فقد بلغت بهم الروحانية المزعومة حد التغيب عم يدور حولهم فلا احد يشعر بأحد فليس سوى طبول تقرع وأجراس تهز وأبدان تتراقص خلف عبارات السدنة السائرون بهم نحو الضريح ليبدأ موسم الزيارة.
قصة الأولى موكب الكسوة
عصام مريسي