بعد نحو سنة من التردد على أروقة محاكم العاصمة صنعاء، انتزعت اليمنية منال (37 سنة) حكماً بخلع زوجها بعد تقدمها بدعوى طلب الخلع بمبرر الكراهية، وعدم إنفاق الزوج عليها وعلى أطفالهما الثلاثة.
تسلّمت منال وثيقة الحكم الصادر عن المحكمة، وقبل عودتها إلى بيت والدها، مرّت على أحد محال بيع الحلويات في المدينة، لشراء كعكة الاحتفال، وطلبت من البائع أن يكتب عليها عبارة "أخيراً خلعته"، ثم تواصلت مع عدد من صديقاتها لدعوتهن لحضور "حفل الطلاق" في بيت أهلها، والذي كانت حفلاً كبيراً حضرته الكثير من الصديقات، وتم خلاله توزيع الحلويات والعصائر، وإقامة طقوس احتفالية شملت الأغاني والرقص.
وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة إقامة النساء المطلقات، أو اللواتي خلعنَ الزوج لتلك الحفلات التي باتت تعرف باسم "حفل الطلاق"، ويتزامن ذلك مع تزايد ملحوظ لحالات الطلاق في المجتمع اليمني، إذ كشفت تقارير صحافية عن ارتفاع عدد حالات الطلاق والخلع والفسخ التي سجلت في عموم المحاكم اليمنية الواقعة تحت سلطة جماعة الحوثيين خلال عام 2022، إلى نحو 78 ألف حالة.
تقول منال لـ"العربي الجديد": "من حق المرأة أن تحتفل بطلاقها أو خلع زوجها تماماً كما تحتفل بخطوبتها أو زواجها، فالطلاق أو الخلع قد يكونان حلّاً حين يصل الزواج إلى طريق مسدود، تشعر مع المرأة أن حياتها ستتوقف طالما هي رفقة زوج لا يقوم بواجباته نحوها ونحو أولادها. الحياة لا تتوقف بعد الطلاق، وإنما تشق المرأة طريقاً جديداً لحياتها مع زوج جديد تتوافق معه، أو تعيش في بيت أهلها معززة ومكرمة".
تضيف: "الاحتفال لا يؤثر على الأبناء، بل على العكس، إذ يعني استمرار أمهم في الحياة مع زوج لا يقدرها، أو لا يقدر الحياة الزوجية أكثر سوءاً لهم من طلاق الأم، فالأم المطلقة قادرة على تربية أولادها بشكل أفضل من خلال توفير بيئة صحية لهم بعيداً عن المشاكل اليومية التي تؤثر سلباً على نفسية الأطفال، وأحياناً يكون الطلاق أفضل الخيارات للأطفال حين يكون الزوج عاجزاً عن القيام بدوره ربَّ أسرة، فما فائدة الأب إذا كان لا يستطيع تقديم أبسط الحقوق للزوجة والأطفال".
وتؤكد منال: "لم أتوجه إلى المحاكم إلا بعد أن استنفدت كل الطرق في محاولة إنقاذ زواجي، وقد تحملت وصبرت كثيراً من أجل أطفالي، لكني وصلت إلى مرحلة لا أطيق فيها العيش مع هذا الرجل الذي قرر التخلي عن كل واجباته، إذ كان يعيش على الديون، ولا يشتغل، ويقضي يومه في مضغ القات مع أصدقائه، ويرمي مسؤولية البيت عليّ، ما أجبرني إلى العمل بالخياطة من أجل توفير لقمة العيش لأطفالي، وبعدها وصلت إلى مرحلة جعلتني غير قادرة على المواصلة، فأخذت أطفالي إلى بيت والدي، وتقدمت إلى المحكمة بطلب الخلع، وصدر الحكم لصالحي".
ويقول اختصاصي علم النفس الإكلينيكي، وليد الرباصي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الناحية النفسية، يمكن تفسير ظاهرة حفلات الطلاق من عدة زوايا، فمن جهة، يعد الاحتفال وسيلة للتعبير عن التحرر من زواج تشوبه التحديات أو الإساءات، كما أنه يوصل رسالة إلى المحيط الاجتماعي بأن المرأة قد تخلصت من علاقة زوجية كانت فيها الضحية، علماً أن هناك حالات عديدة للطلاق لا تكون فيها المرأة هي الضحية، ومن جهة أخرى قد يكون هذا الاحتفال استجابة لضغوط مجتمعية تواجه المطلقات، ما يدفعهن إلى محاولة الظهور بشكل قوي أمام المجتمع عبر إخفاء مشاعر الضعف والانكسار لتجنب النظرة السلبية ووصمة المطلقة".
ويعزي الاختصاصي النفسي أسباب انتشار تلك الظاهرة إلى تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تروج فكرة مشاركة التجارب الشخصية علناً بهدف الحصول على التعاطف أو الدعم، فضلاً عن التحول الحاصل في القيم المجتمعية، إذ أصبح الطلاق خياراً مقبولاً عندما تكون العلاقة الزوجية غير صحية، ولا يمكن تجاهل أن هناك تغيراً ملحوظاً في الأدوار الاجتماعية للمرأة، والتي أصبحت أكثر وعياً بحقوقها، ما ينعكس في قدرتها على التعبير عن حريتها ومشاعرها".
ويشير الرباصي إلى أن "تجربة الطلاق تتطلب دعماً نفسياً للأطفال، فغالباً ما يكون الصغار حساسين تجاه طلاق الأبوين، وكثيرون منهم يتأثرون سلباً بذلك، فهذه الاحتفالات تعكس انقسام الأسرة بشكل واضح، وقد لوحظ تزايد عدد المراهقين والشباب من أبناء الأسر التي شهدت انفصال الأبوين الذين يترددون على العيادات النفسية طلباً للعلاج، وينبغي الاهتمام بتقديم الرعاية النفسية لهم لتمكينهم من تخطي هذه التجربة بشكل صحي".
ويلفت إلى أنه "على مستوى المجتمع، قد تؤدي هذه الظاهرة إلى إعادة تشكيل بعض مفاهيم الزواج والطلاق، وقد تسهم في تقليل وصمة الطلاق، وجعله خياراً أكثر قبولاً لدى المجتمع، لكن لكوننا نعيش في مجتمع تقليدي حديث الانفتاح، فقد يؤدي انتشارها إلى تحول الظاهرة إلى أزمة قيمية يدفع ثمنها الأطفال".
بدوره، يقول المحامي بسام سعيد، لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجتها الحرب زادت أعداد قضايا الطلاق والخلع، مع ملاحظة تزايد حالات الخلع بشكل أكبر، ومعظم الحالات تكون بسبب عدم قدرة الزوج على تحمل مسؤولية الإنفاق على الأسرة، فالكثير من الناس فقدوا عملهم، والأوضاع المعيشية تزداد سوءاً في ظل ارتفاع الأسعار وانهيار العملة، كما أن الكثير من الأزواج يلجؤون إلى الاغتراب بحثاً عن الرزق، وقد يطول زمن غربتهم، فتتقدم الزوجة بطلب الخلع".
ويشير المحامي إلى أنّ "الاحتفال بالطلاق عادة دخيلة على اليمن، وتتنافى مع تعاليم الدين وأخلاقيات المجتمع، لأن فيها تجاوزاً للقاعدة القرآنية (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وقاعدة الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، وعليه يظل احتفال المرأة بالطلاق إساءة مهما كانت المبررات".