آخر تحديث :الثلاثاء-07 يناير 2025-02:53ص
أدب وثقافة

خوسيه دومينيك.. عن قرن طويل من المعارك الأيديولوجية

الأحد - 05 يناير 2025 - 10:45 ص بتوقيت عدن
خوسيه دومينيك.. عن قرن طويل من المعارك الأيديولوجية
(عدن الغد)متابعات

القطيعة أو الاستمرارية؟ هذا هو السؤال الذي يحاول المؤرّخ الإسباني خوسيه إنريكي رويس دومينيك الإجابة عنه في كتابه "صراع لا ينتهي: المعركة الثقافية في القرن العشرين الطويل"، الصادر عن "دار تاوروس"، والذي يناقش فيه مسألة الذاكرة التاريخية والمواجهات الثقافية والفكرية والأيديولوجية الأبرز في الغرب خلال القرن العشرين.

يقترح المؤلّف (1948) رحلةً في التاريخ الغربي، بدءاً من عام 1871 ووصولاً إلى 2021، حيث يغوص في المواجهات الفكرية التي حدثت في القرن العشرين "الطويل" وفق وصفه، انطلاقاً من "المبارزة" الفكرية بين ياكوب بوركهارت وجول ميشليه، ثمّ المواجهات الأيديولوجية بين فرناندو دي لوس ريوس ولينين عام 1920؛ حيث وُضعت الليبرالية في مواجهة الشمولية، ومروراً بآراء كلّ من خوسيه أورتيغا إي غاسيت وجورج أورويل حول دور الجماهير في مستقبل أوروبا، وما بين ذلك من مواجهات بارزة في تاريخ الفكر الأوروبي، ولا سيّما نيتشه وفاغنر، ووجودية سارتر وثقافة جاك كيرواك المضادّة، وانتهاءً بأفكار الحرّية الشخصية التي اصطدمت بمجتمع تسوده الشمولية، من دون تجاهل القضايا الراهنة مثل الاغتراب الإنساني، والجدران ضدّ الهجرة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووباء كورونا.

يصف دومينيك صراع الأفكار بين التيارات الفكرية خلال القرن ونصف القرن الماضيَين، وهو يفعل ذلك استجابة للتحدّيات الأخلاقية والفكرية الراهنة، فالهدف، كما يقول في مقدّمته "تمزيق الحجب التي تترك وراءها أشدّ الآفات ضرراً في عالمنا: الظلم الاجتماعي، والاستعمار، والرؤية المتحيّزة للواقع".

ضرورة ترسيخ المناقشات الفكرية معقلاً للمقاومة ضدّ الاستخفاف الثقافي...

هكذا يقرُّ دومينيك بوجود أزمة ثقافية كبيرة تعيشها الإنسانية في الغرب، وهي أزمة تراكمات من الماضي تشلّ الحركة وتفتّت المعرفة، ولكن، كما يقول، "كلّ أزمة ثقافية هي فرصة للتجديد"؛ فالإنسانية، على مرّ القرون، أظهرت قدرة لا تنضب على إعادة اختراع نفسها والاستجابة لتحدّيات العصر.

غير أنّ التحدّي الكبير الذي يمرّ به الغرب، كما يرى المؤلّف، هو فقدان القدرة على تجنّب أخطاء الماضي، وهذا ناتجٌ عن "عدم القدرة على تحليل دروس التاريخ وربطها بسياقاتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ذلك أنّ فنّ الكشف عن تعقيد حدثٍ ما أو عصر ما يتطلّب في الواقع تمييزاً دقيقاً للاختلافات التي تفصل بين وجهات النظر المتعارضة. ومن المستحسن أن نعرفها ونحترمها حتى لا نقع في دوغمائية الذين يعتقدون أنّهم أصحاب الحقيقة الثابتة".

يُظهر سير الأحداث في الغرب، وفق دومينيك، ضعف الإنسان الغربي في مواجهة السُّلطة، وهو ضعفٌ ترسَّخ أكثر فأكثر في العصر الرقمي، وقد بدا ذلك واضحاً خلال جائحة كورونا؛ حيث بدا الإنسان الغربي هشّاً وعاجزاً وغارقاً في أزمته الثقافية والأخلاقية، منتظراً من عالم التقنية الرأسمالي أن ينقذه من الوباء.

لا يُقدّم خوسيه إنريكي رويس دومينيك جواباً واضحاً عن سؤاله حول القطيعة والاستمرارية، فتارةً يدعو إلى القطيعة مع التيارات الفكرية المتعصّبة التي أدّت إلى الشمولية، وتارةً أُخرى إلى الاستمرارية في النقاشات الفكرية الجوهرية التي أثْرت الثقافة الأوروبية. ما يبدو واضحاً عنده هو ضرورة ترسيخ المناقشات الفكرية العميقة معقلاً للمقاومة ضدّ الاستخفاف الثقافي.