آخر تحديث :الإثنين-07 أبريل 2025-04:31م
ملفات وتحقيقات

في عيد الفطر.. عدن تفتح ذراعيها لأبناء صنعاء بعد سنوات من الانقطاع: “عدنا إلى حضن الوطن ووجدنا الحب قبل البحر

الأحد - 06 أبريل 2025 - 04:14 م بتوقيت عدن
في عيد الفطر.. عدن تفتح ذراعيها لأبناء صنعاء بعد سنوات من الانقطاع: “عدنا إلى حضن الوطن ووجدنا الحب قبل البحر
قسم الاستطلاعات

بعد سنوات من الحرب والانقسام والانقطاع الطويل، شهدت مدينة عدن هذا العام مشهدًا إنسانيًا دافئًا ومؤثرًا، قلّما تكرّر منذ اندلاع الأزمة اليمنية قبل أكثر من تسع سنوات. ففي أيام عيد الفطر المبارك، زارت عشرات الأسر القادمة من العاصمة صنعاء عدن لقضاء إجازة العيد، في خطوة بدت عادية في ظاهرها، لكنها حملت في طياتها مشاعر لا توصف، وحنينًا غمر الشوارع والمقاهي والكورنيش، ولامس الذاكرة والقلوب معًا.


لقاءات من القلب لأول مرة


في هذا السياق، أجرت صحيفة عدن الغد أول لقاءات من نوعها مع عدد من تلك الأسر، في محاولة لرصد انطباعاتهم عن المدينة، والتغيرات التي لمسوها، والأهم من ذلك: كيف وجدوا تعامل الناس في عدن معهم، بعد سنوات طويلة من القطيعة والشك والضجيج السياسي والإعلامي.


محمد عبدالرقيب: “ما توقعت أن عدن لا تزال بهذا الدفء”


“كأنني عدت من منفى طويل… هذا ليس مجرد سفر، بل عودة إلى الذات”، بهذه الكلمات بدأ محمد عبدالرقيب، موظف حكومي وأب لخمسة أطفال، حديثه للصحيفة وهو يجلس على كورنيش الغدير متأملاً البحر والناس من حوله.


يقول محمد:

“تركت عدن في 2014، وكنت أظن أن الحرب قضت على كل شيء جميل فيها، لكن حين عدت مع عائلتي هذا العيد، اكتشفت أن المدينة ما تزال تحتفظ بروحها… ببساطتها… بوجهها الدافئ الذي لا يُشبه إلا الوطن”.


ويضيف: “الناس هنا كانوا أكثر من رائعين، سألونا عن صنعاء، وعن الطريق، وعن أحوالنا. لم نشعر للحظة أننا غرباء. كنا نعتقد أن الجفاء السياسي قد انعكس على الناس، لكننا وجدنا قلوبًا مفتوحة، وابتسامات صادقة”.


أم نبيل: “كسرنا الجدران النفسية… فاحتضنتنا عدن”


من جهتها، قالت أم نبيل، معلمة من صنعاء، جاءت مع أبنائها في زيارة مفاجئة لعائلتها في عدن بعد انقطاع دام أكثر من 8 سنوات:

“حين قررنا الزيارة، كنا متخوفين… ماذا لو شعرنا بعدم القبول؟ ماذا لو عاملونا كغرباء؟ لكن العكس تمامًا هو ما حدث. من لحظة وصولنا، أحسسنا أننا عدنا إلى بيتنا. الكل هنا كان يسأل عن صحتنا وعن صنعاء وكأننا جيران، لا قادمون من مدينة أخرى”.


وتتابع:

“جلست في صيرة أنظر إلى البحر، وشعرت وكأنني أتخلص من كل الأثقال التي حملناها لسنوات. السياسة أبعدتنا عن بعضنا، لكن عدن أعادتنا لبعضنا بهدوء ودون ضجيج”.


جمال عبده: “عدن مدينة تعرف كيف ترمم الأرواح”


أما جمال عبده، طالب جامعي جاء برفقة مجموعة من أصدقائه لقضاء العيد في عدن، فقال:

“عدن ليست مدينة عادية… هي تجربة نفسية، ترمم ما أفسدته السياسة والخطابات والانقسامات. الناس هنا لم يسألونا من أين جئنا، بل سألونا: هل أنتم بخير؟ هل ارتحتم؟”


وأضاف:

“كل ما كنا نسمعه عن التوتر والعداوة سقط من أول لحظة تعاملنا فيها مع سائق تاكسي، أو بائع في السوق، أو شرطي في نقطة تفتيش. لقد احتضنتنا عدن بكرم لا يُنسى”.


أكثر من زيارة… إنها مصالحة بين مدينتين


اللافت أن هذه الزيارة، رغم بساطتها، لم تكن مجرد رحلة عيد، بل مثلت شكلًا من أشكال المصالحة غير المعلنة بين مدينتين فرقتهما السياسة، لكن تجمعهما الجغرافيا والتاريخ والدم والعشرة.

فعدن التي طالما عُرفت بكونها مدينة للتعايش والتعدد، أثبتت مجددًا أنها مدينة تحتفظ في ذاكرتها الجمعية بمكان لكل يمني، مهما كانت هويته الجغرافية أو انتماؤه السياسي.


أمل يولد من قلب المشهد


وفي حديثه معنا، قال أحد الزوار القادمين من صنعاء:

“عدن مثل الأم التي لا تعاتب أبناءها على الغياب، بل تنتظرهم وتفتح لهم الباب. مشكلتنا نحن، وليست فيها. لو تُركت عدن دون كل هذا العبث، لأصبحت مدينة للسلام لكل اليمنيين”.


وأضاف:

“لا نريد من عدن شيئًا، فقط أن تظل كما هي… جميلة، متسامحة، حنونة، تُذكّرنا أن اليمن ما يزال حيًا في بعض شرايينه”.


حاضنة الجميع…


ما شهدته عدن خلال عيد الفطر من ترحيب بأسر جاءت من صنعاء، ليس مجرد تفاصيل عابرة، بل علامة فارقة تؤكد أن الشعوب أبقى من الساسة، وأن الوجدان اليمني لا يمكن أن ينقسم، مهما تشظت الجغرافيا وتقلبت الرايات.


صحيفة عدن الغد ستواصل نقل هذا النوع من القصص الإنسانية التي تعكس الوجه الحقيقي لليمن، وتؤمن بأن الأوطان تُبنى بالمحبة والانفتاح والتلاقي، لا بالكراهية والحواجز.


عدن، التي فتحت ذراعيها هذا العيد، كانت تقول لكل يمني:

“مهما ابتعدت، قلبي لا يزال على العهد… فهل نعود؟”