ظهر قضاء ونظام المظالم قديماً في التاريخ الإسلامي يقوم على انصاف المستضعفين من ذوي النفوذ بإجراءات صارمة تردع الظالمين وتحقق العدالة للمظلومين والمستضعفين وترفع كاهل الظلم عنهم .
ومن هذا المنطلق أنشأت هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية في اليمن لتقوم بنفس دور قضاء المظالم بتحقيق العدالة وانصاف المستضعفين من ذوي النفوذ .. ولكن ؟
للأسف الشديد أن ذوي النفوذ سواء نفوذ سلطة الدولة أو المال او القبيلة قاموا باختراق هيئة رفع المظالم و تعطيلها عن القيام بدورها وتحجيم دورها حتى أصبحت فقط صندوق بريد لاستلام شكاوى ومظالم المواطنين واحالتها بمذكرات تغطية للجهات المختصة او الجهات المشكو بها دون أي إجراءات تالية ورادعة لإنصاف المظلومين ...
استمرار تعطيل هيئة رفع المظالم عن القيام بواجباتها ودورها المأمول في ردع الظالمين من ذوي النفوذ وانصاف المستضعفين لا مبرر له سوى التماهي مع الظلم والظالمين واختيار الوقوف في صفهم في مواجهة المظلومين والمستضعفين ...
لو تم تفعيل هيئة رفع المظالم لما تجرأ الظالمين النافذين من العبث بحقوق وأموال ودماء وأعراض المظلومين والمستضعفين ولتراجع الكثير من النافذين عن الايغال في حقوق المستضعفين ..
لو تم تفعيل هيئة رفع المظالم لكان يكفي ذكر اسمها في مواجهة الظالمين النافذين ليتوقفوا عن ظلمهم وأنصفوا الناس من انفسهم قبل ان تردعهم هيئة رفع المظالم وترفع الظلم عن المستضعفين ..
من أهم وظائف الدولة تنظيم العلاقة بين افراد المجتمع فيما بينهم وأيضا في مواجهة مؤسسات الدولة و تحقيق العدالة والانصاف.
يتكون المجتمع في اليمن من 95% مواطنين عاديين والنسبة المتبقية 5% مواطنين نافذين بنفوذ سلطة الدولة او المال او القبيلة وغيرها من أوجه النفوذ ..
معظم المشاكل تأتي من استغلال وتسلط النافذين على المواطنين العاديين بنهب أراضيهم واموالهم والاعتداء عليهم وتقف مؤسسات الدولة عاجزة عن ردع النافذين لما يمتلكونه من نفوذ يقيد ويلجم مؤسسات الدولة عن القيام بدورها وانصاف المظلومين وهنا يأتي دور هيئة رفع المظالم لقمع النافذين وانصاف المستضعفين ولكن تذوب ثقة الشعب اليمني في هيئة رفع المظالم بسبب تباطؤ إجراءاتها واختلالاتها الجسيمة وبتشخيص عام لأهم مشاكل واختلالات هيئة رفع المظالم والمعالجات المقترحة واهم الملفات التي يستلزم فتحها لدى الهيئة وتطويرها نوجز كل ذلك في قسمين رئيسيين كالتالي :
أولاً : القسم الأول الاختلالات ومعيقات تفعيل دور هيئة رفع المظالم ومقترحات المعالجة
1- جمود أعضاء وموظفي هيئة رفع المظالم حيث مازال معظم الأشخاص منذ عقود في نفس مناصبهم في هيئة رفع المظالم وهذا تسبب في جمودها وشيخوخة هيئة رفع المظالم .
ولمعالجة ذلك نقترح :
تغيير كامل طاقم هيئة رفع المظالم من أعضاء وموظفين دون تمييز وبلا استثناء الجميع وضخ دماء شابة نزيهة قوية نظيفة في هيئة رفع المظالم .
2- غرق أعضاء وموظفي هيئة رفع المظالم في التحكيم
من اهم أسباب تعطل هيئة رفع المظالم هو انشغال أعضائها وموظفيها في التحكيم بين اطراف القضايا والشكاوى لديهم والتصالح بين الظالم والمستضعف الذي للأسف الشديد يستمر الظلم ويخضع المظلوم للظالم بمبرر التحكيم والتصالح ..
ولمعالجة ذلك نقترح :
منع جميع أعضاء وموظفي هيئة رفع المظالم عن التحكيم والتصالح سواء في شكاوى وقضايا منظورة لدى الهيئة او خارج الهيئة ..
وان يحصر التصالح والتحكيم في إدارة مستقلة عن الهيئة برغبه الأطراف دون اجبار ولا اكراه وتخضع كافة اجراءاتهم لرقابة كاملة ..
3- جمود لوائح وصلاحيات هيئة رفع المظالم وسريتها وغموضها
لا يعرف المواطن اليمني عن هيئة رفع المظالم الا اسمها فقط ولا يعرف لوائحها وصلاحياتها القانونية وهل تم تحديثها وتطويرها ام مازالت جامدة منذ انشاؤها وأصبحت لوائح وصلاحيات هيئة رفع المظالم من اخطر اسرار الدولة الذي لا يجوز للمواطنين الاطلاع عليها وهذا تسبب في احجام كثير من المواطنين عن تقديم شكاويهم لرفع المظالم لعدم معرفتهم بصلاحياتهم القانونية ..
ولمعالجة ذلك نقترح :
نشر لوائح وصلاحيات هيئة رفع المظالم في جميع وسائل الاعلام ليطالعها المواطن العادي ليقدم شكواه ويطالعها النافذين ليتقفوا عن ظلمهم كما يستلزم اخضاع تلك اللوائح والصلاحيات لنقاش عام من المختصين والناشطين الحقوقيين لتفعيل وتوسيع صلاحياتها وتطوير لوائحها ..
4- الدور السلبي لهيئة رفع المظالم
يلاحظ ان هيئة رفع المظالم حاليا ليست سوى صندوق بريد لاستقبال شكاوى المواطنين واحالتها لمؤسسات الدولة المختصة وكان يفترض ان تكون إيجابية وتبدأ بنقاش ملفات عامه ومظالم نافذين متكررة وإيجاد معالجات لها واتخاذ إجراءات وقائية للحد من تكرارها .
ثانيا : أهم الملفات التي يستلزم على هيئة رفع المظالم فتحها
1- قضايا المواريث الشرعية الذي تعتبر ظلم جائر في اليمن يحرم منها الضعفاء ويستولي عليها النافذين والاقوياء رغم ان المواريث واضحة وحددها الله في القران وليست بحاجة لاجتهاد ولكن مظالم المواريث مستمرة واثبت القضاء فشلة الذريع في معالجة قضايا المواريث بل اصبح طرف ثالث مستفيد من قضايا المواريث للاستيلاء عليها بالشراكة مع النافذين ويفترض ان يكون هذا من اختصاص هيئة رفع المظالم ويتم فتح مكتب خاص بالهيئة خاص بقضايا المواريث يتم فيها توقيف كافة قضايا المواريث المنظورة امام لقضاء او المحكمين واحالتها لهيئة رفع المظالم ليتم البت فيها خلال ستة شهور على الأقل وضبط من يتلاعب على حقوق الورثة واغلاق باب المتاجرة والتلاعب بالتركات والمواريث الشرعية لحرمان المستضعفين ..
2- قضايا الجمعيات السكنية تعتبر من المظالم القاسية التي عاني منها لعشرات السنوات عشرات الاف الاسر اليمنية التي دفعت قيمة الأراضي ولم تصل اليها بسبب استيلاء وتلاعب النافذين بأراضي الجمعيات السكنية ويفترض ان يكون لهيئة رفع المظالم دور هام وقوي لإنصاف المساهمين وضبط المتلاعبين بإجراءات منصفة و عاجلة ورادعة ..
3- قضايا ومشاكل الأراضي
تغرق مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية في مشاكل الأراضي حتى تحولت الى كابوس خطير ومنجم يتسبب في كثير من القضايا الجنائية الخطيرة وسبب تلك المشاكل هي عصابات نافذين محدودين يستولوا على أراضي المواطنين دون مسوغ قانوني ويستخدمون نفوذهم لظلم المستضعفين ...
ويفترض على هيئة رفع المظالم فتح ملف مشاكل وقضايا الأراضي في اليمن بشكل واسع واتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة للجم كباح الظالمين النافذين وانصاف المستضعفين بالتعاون مع الهيئة العامة للأراضي وإيقاف جميع القضايا المنظورة امام القضاء الذي فشل في انصاف أصحاب الحقوق المستضعفين وعجز عن ضبط النافذين واحالتها لهيئة رفع المظالم للنظر فيها والبت فيها بقرارات عاجلة وصارمة تعيد الحقوق لأصحابها وتضبط المنتهكين لها وتضبط عصابات الأراضي التي تعبث بحقوق المواطنين واراضيهم واتخاذ إجراءات وقائية للحد من مظالم الأراضي معظم قضايا الأراضي .
4- المظالم من مؤسسات الدولة على المواطنين
مؤسسات الدولة عند القيام بمهامها ترتكب مخالفات وتنهب حقوق المواطنين دون تعويض عادل ودون مسوغ قانوني ويدخل المواطن المنتهكة حقوقه في حلقة طويلة من الإجراءات لاستعادة حقوقه التي استولت عليها مؤسسات الدولة وتتراخى مؤسسات الدولة في تعويض المواطنين من مؤسسات الدولة الأخرى كونهم جميعا زملاء وهنا يأتي دور هيئة رفع المظالم لتوقف الظلم الحاصل على المواطن من مؤسسات الدولة وتوقف انحراف مؤسسات الدولة الذي يفترض ان تكون خادمة للشعب لا ناهبه لحقوقه ..
هيئة رفع المظالم تستطيع ان تقوم بالكثير لإنصاف المظلومين من مؤسسات الدولة التي نهبن حقوقهم وعلى سبيل المثال لا الحصر من استولت الدولة على أراضي مواطنين سواء لشق شوارع او لإقامه مشاريع للدولة على اراضي المواطنين دون تعويض عادل الذي ينص الدستور اليمني على التعويض العادل بمعنى سعر الزمان والمكان وقت الدفع ودفع التعويض قبل الاستيلاء على الأرض وإقامة المشاريع حيث تكتظ هيئة الأراضي في اليمن بالآلاف الملفات الخاصة بطلبات تعويض مواطنين استولت الدولة على أراضيهم دون تعويضهم ويتم احتساب مبالغ قليلة دون عدالة ودون سعر الزمان المكان كثير من المواطنين يطالبون بتعويضهم دون جدوى يطالبون ليس بمبالغ مالية بسعر الزمان والمكان بل بأراضي توازي أراضيهم التي نهبتها الدولة عليهم وللدولة أراضي شاسعة بالإمكان تعويض المواطنين بها ولكن لا يوجد إرادة لإنصاف المستضعفين وهنا يأتي دور هيئة رفع المظالم لمعالجة هذا الملف الشائك بإجراءات مستعجلة وصارمة تنصف المستضعفين وتوقف نهب أراضي المواطنين من قبل مؤسسات الدولة التي يفترض ان تحمي المواطن لا أن تنهبه .
5- الرقابة على القضاء وضبط اختلالاته
الجميع في اليمن مجمعين على وجود اختلالات جسيمة في دور القضاء اليمني واصبح القضاء ثقب اسود يبتلع الضعفاء والمستضعفين في دوامة طويلة بإجراءات محاكمة طويلة وشاقة تستنزف ما تبقى للمواطن الضعيف من أموال وتنهب حقوقه بسبب فساد واختلالات القضاء العميقة حتى اصبح اللجوء للقضاء للمطالبة بالحقوق كابوس وسوط بيد الظالمين لاركاع وإخضاع المستضعفين بتطويل الإجراءات والتلاعب الجسيم في إجراءات القضاء ..
معظم مشاكل القضاء تعود الى ضعف الدور الرقابي على عمل وأداء القضاء من جهة خارج هيكل القضاء حيث ثبت فشل دور الرقابة والتفتيش القضائي من داخل هيكل القضاء على اختلالات وفساد القضاة فاذا غريمك القاضي من تشارع وتتحول الرقابة الداخلية الى محامي للقاضي ضد المواطن ضحية التلاعب والاختلال ..
وهنا يأتي دور هيئة رفع المظالم للرقابة الخارجية على اعمال القضاء بما لايمس باستقلال القضاء العادل بل ويعزز من استقلال القضاء بضبط المتلاعبين عن طريق تركيب أجهزة تصوير وتوثيق في جميع قاعات المحاكمة والتحقيق وفتح تحقيقات عاجلة في أي تلاعب او خلل من أعضاء وموظفي القضاء واحالتهم الى السجون وانصاف المستضعفين ..
ضعف الرقابة الإلهية للقضاة وموظفي القضاء يستلزم معها تعزيز الرقابة المادية عن طريق اخضاع أعضاء وموظفي القضاء وكل من له علاقة بالقضاء اخضاعهم لرقابة مادية مستمرة على حوالاتهم المالية وعلى تحركاتهم لضبط أي خلل ا وانحراف ورقابة عملهم داخل وخارج المحاكم ومؤسسات القضاء ومراجعة جميع احكام القضاء فور صدورها للتحقق من عدم انحرافها وضبط كل من تلاعب بحقوق المواطنين ...
قداسة القضاء لا تعني الاستكبار وظلم المواطنين دون ردع بل تحقيق العدالة والانصاف واي انحراف للقضاء ومؤسساته وكل من له علاقه بالقضاء يستلزم ان يتم إيقاف بصرامة وردع حتى يستعيد القضاء دوره كوسيلة عدالة وانصاف وليس وسيلة اثراء غير مشروع بظلم المستضعفين ومجاملة والشراكة مع الظالمين ..
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية تفعيل دور هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية اليمنية وإعادة النظر في كوادرها ولوائحها وصلاحياتها وتجديدها وتطويرها بشكل كامل لتكون ملاذ آمن لإنصاف المستضعفين ووسيلة ردع للظالمين ... لا مبرر لاستمرار تعطيل هيئة رفع المظالم وتقوقعها في دور صندوق بريد يستقبل مظلم وشكاوى المواطنين وتحيلها للجهات المنتهكة او التي عجزت عن انصافهم وتتوقف دورها في هذا المربع الضيق ..
نؤكد على الدور الكبير لهيئة رفع المظالم في ردع الظالمين وانصاف المستضعفين وتحقيق العدالة بصرامة وقوة دون تماهي ولا مجاملة ولا ضعف سواء في مواجهة افراد وعصابات نافذين في المجتمع بنفوذ المال او السلطة او القبيلة او في مواجهة مؤسسات الدولة ... وفي مواجهة اختلالات القضاء الذي يستلزم تفعيل دور هيئة رفع المظالم للرقابة الخارجية على القضاء لضمان عدم انحرافه عن مسار العدل وضمان عدم غرق القضاء في مستنقع الفساد والظلم حتى لا يتحول القضاء الى كابوس للمستضعفين وسوط بيد الظالمين لتبرير وشرعنه ظلمهم بأحكام وقرارات قضائية خاطئة تنهب حقوق المستضعفين وهنا دور هيئة رفع المظالم دور هام وعظيم لاستعادة قداسة القضاء الذي لوثته اختلالات القضاء وغياب الشفافية والرقابة المستمرة والمسائلة ..
معظم الاختلالات والظلم والفساد الذي يعاني منه الشعب اليمني بسبب النافذين وعجز مؤسسات الدولة عن ردعهم وكبح جماح ظلمهم كل هذا يؤكد ان الحل فقط يكمن في أهمية تفعيل هيئة رفع المظالم برئاسة الجمهورية للإنصاف والعدالة