لا أنكر أنني كنت ممن انخرطوا مع أساطير النضال السلمي منذ مطلع عام 2008م حتى بدايات عام 2016م، وكنت ممن كتبوا وتغنوا عن الثورة الجنوبية السلمية التي كانت تهدف إلى التحرير والاستقلال بعيداً عن شهوة المناصب ومرض الكراسي.
أتذكر حينها الوطنيين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل وطنهم وقضيتهم، سواء بالقتل أو السجن أو الملاحقة أو التهجير خارج البلد، ولا أذكر البتة أن أحداً منهم كان يسعى إلى منصب أو جاه أو سلطان؛ فالكل كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
المصداقية التي كنا نشاهدها في هؤلاء هي التي منحتنا حب القضية والدفاع عنها، وهي التي كانت تدفعنا إلى أن نكتب ونصول ونجول كواجب وطني تجاه أرضنا وأهلنا وعرضنا وحلمنا المنشود.
ولكن أقولها وللأسف: بعد أن سقطت الأقنعة وظهرت الحقائق، وتبدلت الأحلام وتبددت، وباتت المناصب والكراسي وجني الثروات الطائلة هي هدف البعض ممن كنا نثق بهم حتى النخاع. آثرنا الصمت والابتعاد تماماً عن كل ما يسيء لنا أو لأحلامنا الوردية الجميلة.
توقعت أن تكون هذه الحرب خارطة طريق نحو تحقيق الغايات والأمنيات التي من أجلها سقط الشهداء، وشُرد الشرفاء، ونُكّل الأبطال، ولكن للأسف كانت هذه الحرب فرصة ذهبية سانحة للتحول من حياة الجوع والفقر الشريف إلى لصوص "وطنيين" يبيعون الوهم ويشترون في القضية وأهدافها.
الكثيرون تغيرت أحوالهم وتدلت كروشهم، وامتلأت جيوبهم، وظهرت "النعمة" عليهم. باتت الحرب والوضع الحالي فرصة لتغيير واقعهم من خلال بيع ضمائرهم وذممهم وأخلاقهم وقضيتهم مقابل ريالات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع.
كثيرون ممن كانوا "يتغنون" بالقضية الجنوبية ويعزفون على "وترها" الحساس، باتوا اليوم يمتلكون الشقق والسيارات الفارهة والملايين الطائلة، ويتنقلون من دولة إلى أخرى بعدما منحهم الضحك على ذقون البسطاء حصانة دبلوماسية لا يصلها القانون.
وكثيرون ممن آثروا الصمت بعد أن صُدموا بالواقع المرير الذي خلفته لنا الحرب ممن كانوا يظنون خيراً بما أمتطوا صهوة جواد القضية واعتلوا المنصات وتقدموا المسيرات، إلا أنهم وبمجرد أن وجدوا الفرصة السانحة رموا كل شيء خلف ظهورهم وهموا بترتيب أوضاعهم ولم يعد للقضية وشعبها أدنى وجود بداخلهم..
لم أكن أود الكتابة عن هذا الأمر، ولكن حينما تمر أطياف الأيام الخوالي أمامي وأستعيد شريط الماضي ومحطاته، أشعر بالأسى والحسرة على حال هذا الشعب الذي يعبث به الزائفون تحت مسمى الوطنية الكاذبة.