آخر تحديث :الإثنين-06 يناير 2025-02:32م
أدب وثقافة

ويندي بيرلمان.. أصوات من الثورة السورية...

السبت - 04 يناير 2025 - 11:44 ص بتوقيت عدن
ويندي بيرلمان.. أصوات من الثورة السورية...
(عدن الغد)متابعات

يركّز كتاب الباحثة الأميركية ويندي بيرلمان "عبرنا جسراً وقد اهتزّ: أصوات سورية"، الصادر (قبل سقوط النظام) بترجمة فريق "دوكستريم"، عن "جسور للترجمة والنشر" في بيروت بالتعاون مع "الجمهورية.نت"، على شريحة من الشعب السوري: ربّات بيوت، ومقاتلين في المعارضة، ونشطاء وعوائل عادية علقت في مرمى النيران معظمهم كان معارضاً لنظام الأسد.

واصلت الباحثة مقابلة السوريّين أينما وجدتهم، منغمسةً في مجتمعات اللاجئين، حيث تحدّثت معهم ورافقت بعضهم. كما زارت مخيّمات عديدة للاجئين، ومراكز إيواء بائسة وغير رسمية، وصالات رياضية تحوّلت إلى ملاجئ. وفي كل مقابلة كانت تتّسع دائرة معرفتها بسوريين جُدد خاضوا تجارب أكثر، وهذا ما جعلها على اطّلاع أعمق بالصراع، كما توضّح في المقدّمة.

مثّلت تلك المقابلات فرصة مفتوحة ليتفكّر هؤلاء ويصفوا حياتهم قبل وخلال الثورة السورية التي اندلعت عام 2011. تراوحت المدّة الزمنية لتلك المقابلات من دردشة لعشرين دقيقة إلى نقاشات جماعية واسعة، أو قصص شخصية. وقد أُجريت معظمها باللغة العربية التي قضت صاحبة "أصوات محتلّة: قصص من الحياة اليومية في الانتفاضة الثانية" (2003) نصف عمرها، كما تكتب، تتعلّمها لتُتقنها بطلاقة، ممّا خلق علاقة بينها وبين المتحدّثين لم تكن ممكنة لو استعانت بمترجم.

يتكوّن الكتاب من تسعة فصول ويشكّل فرصة للتفكّر بحيوات اللاجئين السوريين

يستعرض الفصل الأول "السلطة" حُكم حافظ الأسد الشمولي في سورية بين عامي 1970- 2000، والذي كان من بين زعماء البعث الأكثر تعطّشاً للسلطة، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، استولى على الحكم في انقلاب بلا دماء. استبدل الأسد عقوداً من الاضطراب السياسي بدولة أمنية، فيها مؤسسة عسكرية رادعة، تضمّ فروع مخابرات داخلية تقوم بمهام أمنيّة متنوّعة، كانت المخابرات تُراقب وتُتابع وتنكّل بالمواطنين وبرجالات الدولة أيضاً. وقد عيّن الأسد مواليه والمقرّبين منه في مناصب قوى الأمن، واحتكر الموثوقون من أبناء طائفته المناصب القيادية. أدار حزب البعث الدولة عبر آلاف الخلايا ومكاتب الفروع المنتشرة في طول البلاد وعرضها، كلها تعمل كجهاز مراقبة وتحكّم داخلي. كما ضمَّ الحزب الملايين من السوريّين والسوريّات الذين طمعوا بالامتيازات المهنية والاقتصادية التي تمنح لأعضائه.

أما الفصل الثاني "الخيبة" فيتناول العقد الأول من حُكم بشار الأسد من عام 2000 حتى 2010. كان حافظ الأسد قد هيّأ ابنه الأكبر "باسل" لوراثته، لكن موته بحادث سير عام 1994، نقل تطلّعات الأسد الأب للابن الأصغر، طالب طب العيون في لندن. وعندما مات حافظ الأسد، كان الرئيس المرتقب - ابنه بشار- أصغر بست سنوات من السن المحدّد في الدستور السوري لعُمر الرئيس وهو أربعون سنة. لذا قام البرلمان السوري بتعديل الدستور بما يناسب من الرئيس المرتقب وبعد أن أعلنه حزب البعث مرشّحاً وحيداً عنه، فاز بشار بالانتخابات بنسبة 99,7 بالمئة!

يتناول الفصل الثالث "الثورة" تفاصيل أكثر عن اندلاع الثورة السورية عام 2011. بدأت جذوة الثورة من التعطّش للتغيير في المنطقة، وقد أدى إلى اندلاع مظاهرات كبرى امتدت على طول الشرق الأوسط الخاضع لحكم دكتاتوريات منذ عقود. وفي الوقت الذي كان الربيع العربي ينتشر بين الدول حتى وصل إلى اليمن والبحرين وليبيا، اعتقد العديد من المراقبين أن مملكة الصمت، سورية، ستكون بمعزل عن هذا المدّ.

لكن الحقيقة أن كثيراً من السوريين تأثّروا بما شاهدوه من قوة إرادة الشعوب، وبدأوا يعبّرون عن معارضتهم السياسية بطرائق مختلفة. كتلك المظاهرة العفوية التي خرجت في "الحريقة"، إحدى الأسواق الدمشقية العريقة، كما قام آخرون بوقفات احتجاجية عند سفارات مصر وليبيا للتعبير عن تضامنهم مع شعوب تلك الدول. إضافة إلى ذلك، ظهرت دعوات عبر الإنترنت تحثُّ الناس على الخروج في مظاهرات تغطّي كلّ المدن السورية يوم 15 آذار/ مارس، كما شهدت بعض المناطق مظاهرات صغيرة، إلّا أنه تمَّ فضّها سريعاً من قبل الأجهزة الأمنية.

وفي مدينة درعا الحدودية مع الأردن، قامت قوات الأمن باعتقال أطفال بعد قيامهم بكتابة عبارات ضدّ النظام على جدران إحدى المدارس، فلجأ أهالي الأطفال إلى رئيس فرع الأمن ذي السمعة السيئة في المنطقة للإفراج عنهم، لكنه أهانهم بعبارات استفزّت جميع سكان المنطقة، ممّا أدى إلى خروج مظاهرات كبيرة.

تتابع مراحل الثورة السورية من المظاهرات السلمية إلى التسلُّح والحرب

ويضيء الفصل الرابع "القمع" الضوء على سياسات النظام في قمع المظاهرات، وإصرار وعزيمة المتظاهرين على الاستمرار. بعد مرور اثني عشر يوماً ومقتل ستين سوريّاً، قرّر الأسد الابن أن يخطب بالشعب. أكّد العديد من السوريّين أنهم كانوا سيدعمونه لو أنه أظهر شيئاً من التعاطف مع من أُريقت دماؤهم، أو أعطى إشارات عن تغيير حقيقي في النظام خلال الخطاب، لكنَّ خطابه التلفزيوني الأوّل للشعب جاء مخالفاً لذلك تماماً، فأخذ ينعت المتظاهرين بالإرهابيين تارة وبالمخرّبين تارة أُخرى، وأعلن أن مهمّته الأولى هي مواجهتهم بكل الطرائق الممكنة. ذلك الخطاب الشهير أفضى إلى زيادة أعداد المتظاهرين في الشوارع تصاعدت المظاهرات وتحوّلت الهتافات من مطالبة بالإصلاحات إلى مطالبات برحيل الأسد.

يتناول الفصل الخامس "السلاح" فترة تسليح الثورة، التي بقيت من شهر آذار/ مارس إلى أيلول/ سبتمبر عام 2011 محافظة على سلميّتها، رغم سقوط ما يقرب الألفي قتيل بعدها حمل ثوّار ومنشقّون عن الجيش بالتدريج السلاح للدفاع عن المتظاهرين وبعض المناطق، وفي النهاية قاموا تحت راية الجيش السوري الحرّ بشن هجمات على أهداف في جيش النظام. وبسبب غياب الشبكات والبنية التحتية، لم يكن الجيش الحرّ قوّة منظّمة أو منضبطة بل كان أقرب إلى عنوان تنضوي تحته مئات الكتائب المستقلّة.

"الحرب" عنوان الفصل السادس ويركّز على حياة المدنيّين في ظلّ هذه الحرب الوحشية المتعدّدة الأطراف. مع حلول صيف 2013، استطاع الثوّار إخراج قوات النظام من 60 بالمئة من الأراضي السورية وفرضوا سيطرتهم على مساحات واسعة في الشمال والغرب، شنّ الثوّار هجوماً عنيفاً لضمّ حلب إلى سيطرتهم، باعتبارها أكبر مدن سورية وعاصمتها الاقتصادية. وبعد معركة دامية لم تحسم الحرب، لكنّها أدّت إلى تقسيم المدينة إلى جزأين حلب الغربية بيد النظام والشرقية الأكثر فقراً بيد المعارضة.

ويتابع الفصل السابع "الرحيل" السوريين الذين خرجوا من بلدهم بحثاً عن ملجأ آمن، سواء كان قريباً في بلد مجاور، أو بعيداً في قارّة أُخرى. مع حلول عام 2017 ، قُدّرت أعداد السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم بنصف التعداد السكاني البالغ 22 مليون نسمة عام 2011. نزح نحو 7 ملايين سوري إلى الداخل، ولجأ ما يقارب 4,9 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، أما من طلبوا اللجوء في أوروبا فبلغوا مليون سوري.

في الفصل الثامن والأخير "العبرة"، يتوقّف الكتاب عند شهادات أشخاص لا يزالون يحاولون حتّى يومهم هذا فهم ما مرّوا به من وحشية وفظاعة على يد النظام. يتّضح في هذا الفصل البُعد الإنساني للثورة السورية عبر أصوات الذين حلموا بالتغيير، خليطٌ من الفخر والوجع والشجاعة، وأخيراً الأمل. لكن مع هذا كلّه، كما تختم الكاتبة، الألم في أصواتهم وكلماتهم يجعلنا نسأل أنفسنا: ماذا لو كنت مكانهم يا ترى؟ من سأكون لو عشت المراحل ذاتها من الثورة إلى الحرب فالمنفى؟ قد يتساءل المرء أيضاً: ماذا كان ليتغيّر لو سمعنا أصوات السوريّين في وقت باكر؟ على كل حال، أن نتأخر في سماعهم أفضل من ألا نسمعهم أبداً.