على الرغم من الحرب التي يشهدها اليمن منذ ما يقرب من عشرة أعوام، وتأثيراتها السلبية التي انعكست على جميع جوانب الحياة، إلا أن الدراما اليمنية ظلّت تقاوم هذا الواقع، وظلّت تشهد تطوّراً ملحوظاً من ناحية تزايد الأعمال الدرامية وتنافسها.
لكن، من جهة أخرى، لا يزال العمل الدرامي في اليمن يعاني من معضلة كونه موسمياً، فتنهمك القنوات التلفزيونية وشركات الإنتاج في إنجاز أعمالها دفعة واحدة خلال الأشهر السابقة لرمضان، وهو الشهر المخصص لعرض هذه الأعمال، وهذا يمثل ضغطاً على طاقم المسلسل وخاصة الممثلين المشاركين في أكثر من عمل.
اللافت أن معظم المسلسلات اليمنية، وبسبب ظروف الحرب وتداعياتها، وجدت صعوبة في إيجاد مكان مناسب للتصوير، وباتت محافظة تعز هي الخيار الوحيد لتصوير المسلسلات التلفزيونية نتيجة التنوع الذي تمتاز به، والتسهيلات التي تقدمها الجهات الحكومية.
من أبرز المسلسلات التي تُصوّر في تعز استعداداً لعرضها في شهر رمضان المقبل مسلسل "الجمالية"، من إنتاج شركة الجند ميديا، وإخراج سيف الوافي، ومن المقرر عرضه على شاشة "يمن شباب" و"العربي 2"، ومسلسل "طريق إجباري" الذي سيعرض على قناة "بلقيس"، وهو من إنتاج خالد المرولة شركة النبيل، وإخراج المصري عبد العزيز حشَّاد، والجزء الثاني من مسلسل "دروب المرجلة" الذي سيعرض على قناة "السعيدة"، وهو من إخراج وليد العلفي، إضافةً إلى مسلسل آكشن من إنتاج قناة المهرية من إخراج محمد فاروق وياسر الظاهري، لم يُسمَّ حتى الآن، ومسلسل "دكتور خاص" من إنتاج قناة "الجمهورية" وإخراج سيف الوافي.
في حديث إلى"العربي الجديد"، يقول الوافي إن فكرة مسلسل "الجمالية" تتكلم عن قرية في تعز، ومحافظة تعز فيها تنوع فريد، ففيها المدينة للأعمال التي تتكلم عن فترة زمنية حديثة، وفيها الريف بأنواعه الجبلي والوادي، وفيها الساحل، إضافة إلى التسهيلات الحكومية والأمنية المقدمة لشركات الإنتاج التي تجعل مناخ الإنتاج الدرامي سهلاً، ولتعز مكانة مميزة باعتبارها عاصمة الثقافة اليمنية.
يوضح أن الدراما اليمنية لا تزال موسمية، وإن كانت هناك محاولات تبذلها قناة يمن شباب لكسر هذه القاعدة من خلال إنتاجها أعمالاً درامية ولو بسيطة خارج الموسم الرمضاني، مثل مسلسلات "حالتي حالة"، و"يوميات مواطن"، و"كافيه المغتربين". وموسمية الأعمال سببها قلة كتَّاب السيناريو الدرامي الجيدين، إضافةً إلى أن القطاع العام لا ينتج أي أعمال درامية، ويتولّى ذلك القطاع الخاص بغية الربح، وهو يدرك أنه لا يمكن أن يربح خارج الموسم.
يشير المخرج إلى أن تقييم واقع الدراما يقع على عاتق المشاهد والناقد، مع ذلك لا بد من أن يؤخذ في الاعتبار أننا نواجه تحديات كبيرة تقف في وجه العمل الدرامي، والقطاع الخاص يحاول تذليلها قدر الإمكان في ظل غياب الدور الحكومي: "من وجهة نظري، لا بد للنهوض بالدراما اليمنية أن تتبنّى الدولة بمؤسساتها هذا التوجه من خلال فتح المعاهد العليا للمسرح والسينما لكي تعزّز السوق بالفنيين والخبرات التي تساهم في تطوير الدراما".
بدوره، يقول الناقد الفني أنيس محمد لـ"العربي الجديد" إن الحرب في اليمن أزاحت الكيانات المدنية لصالح الجماعات المسلحة، مع بقاء القليل من الهامش المدني في تعز، الذي بات متنفساً لكل عمل أو نشاط مدني أو ثقافي. ولذا، فإن الدراما اليمنية وجدت أنها لا تملك خياراً لممارسة نشاطها إلا في تعز، فتوجهت شركات الإنتاج إلى تصوير مسلسلاتها في هذه المحافظة التي تمتاز بتنوع بيئي وثقافي يعد مناسباً لتصوير جميع المسلسلات".
يرى محمد أن الدراما اليمنية تقاوم اليوم من أجل البقاء على الرغم من الأوضاع غير المستقرة التي تعاني منها البلاد، وهناك أسباب موضوعية وأخرى غير موضوعية تتعلّق بضعف الدراما اليمنية، وعدم وصولها إلى المستوى المطلوب من الجانب الفني.
يوضح: "المتلقي اليمني لا يهتم بالثقافة ولا بالدراما التي يعتبرها فائضاً في قاموس اهتماماته التي أشغلته بلقمة العيش، وبالتالي علاقته مع الدراما موسمية في رمضان فقط، وهذا يؤثر على شركات الإنتاج التي يهمها الربح المادي قبل أن تفكر في خلق واقع ثقافي ينهض بالمجتمع ويؤثر فيه".
يشير محمد إلى أن هناك ضعفاً في منظومة العمل الدرامي ككل، فالممثلون غير مؤهلين أكاديمياً وفنياً: "وما زالت الشخصية الساذجة التي تتحدث بفم أعوج مثلاً هي المسيطرة على فكر الممثل اليمني، الذي يرى أن الدراما لا تكفي نتيجة الأجور المتدنية التي يحصل عليها".