آخر تحديث :الأربعاء-22 يناير 2025-09:49ص

السقوط الصامت

السبت - 14 سبتمبر 2024 - الساعة 05:26 م
حسان زيد

بقلم: حسان زيد
- ارشيف الكاتب


في الحياة، نختبر جميعًا نوعين من السقوط. فهناك السقوط الذي نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا؛ كصوت انفجار أو ارتطام عنيف يهز الأرض تحت أقدامنا. فعندما تسقط كتلة بفعل الجاذبية على الأرض، يتبع ذلك غالبًا صوت قوي أو انفجار يعكس شدة الارتطام. ونحن ندرك أن لكل شيء في الحياة نهاية، وهذه النهاية تأتي في توقيت دقيق بتدبير إلهي محكم.

لكن في المقابل، هناك نوع آخر من السقوط، أعمق وأشد ألمًا، لا يحدث له ضجيج ولا أثر مرئي. إنه السقوط المعنوي، الذي يترك في النفس أثرًا يصعب تجاوزه.

فبينما نستطيع تجنب أو تحاشي أضرار السقوط المادي، نجد أن السقوط المعنوي يمتد تأثيره إلى داخل الفرد، فيحطم الروح وربما يعكر صفو المزاج. السقوط المعنوي قد يكون غير مرئي، لكنه يترك آثارًا أعمق مما قد يبدو.

الكاتب هنا لا يصف السقوط الذي اعتدنا رؤيته في الكون أو العالم الفيزيائي، بل يتحدث عن سقوط من نوع آخر. سقوط لا يُسمع له صوت ولا يُشعر به مباشرة، يشبه حركة العنكبوت على خيوطه، أو انسياب الماء على جسد أحدهم وهو يستحم في الصباح الباكر. إنه سقوط هادئ، لكنه يحمل في طياته تأثيرات عميقة، تتجاوز الوصف وتتخطى الخيال.

إنه سقوط الشخص من عين صديقه، أومحبوبه، أو تراجع مكانته في قلب خليله؛ وهذا هو الانهيار الذي يصيب القلب الصادق بدمار لا يمكن لرصد ريختر أن يقيسه، ولا لأي قانون فيزيائي أن يقدر حجمه. فالمرء يمتلك قدرة تحمّلية محدودة، وسعة صدرية تحتمل لفترة معينة، كل الظنون السيئة، وتحافظ على مشاعر الوصال والمحبة. لكن عندما يصل الصبر إلى أقصى حدوده، يأتي الانهيار، وهذا ما لا تحمد عقباه.

وفي النهاية، هذا السقوط يشبه بعض الحوادث الكونية: كجبل يُلقي بصخرة لتخفيف حمله، أو بحر يقذف حوتًا انتهت حياته، أو نيزك يشاء الله له أن ينطلق من بين أقرانه في الفضاء.

سقوط الشخص من عين من يحبه قد يكون، في كثير من الأحيان، رحمة إلهية بالصادقين. ولدينا المثال الأسمى في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما سقط قومه من نظره وسار إلى الطائف طلبًا للنصرة. لم يكن ذلك السقوط إلا سببًا لزيادة تمسكه بدينه وإصراره على رسالته العظيمة، لدرجة أنه قال: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الدين."

لذلك، تماسكوا يا من سقط الإخلاء من أعينكم، فإن الله أعلم بما في قلوبكم وأنتم لا تعلمون. والتعاطي مع مثل هذا السقوط بإيجابية سيورث في النفس مخزونًا إيجابيًا سليمًا، كي يحتمل الصدمات النفسية المقبلة. علينا أن نتعلم من تلك التجارب، لأن الحياة نفسها، يومًا ما، ستعرف سقوطها الأخير والمدوي.