تقرير/ صهيب المياحي
تواجه محافظة إب، التي تعتبر واحدة من أكثر المناطق اليمنية تاريخية وثورية، حملة دعائية منظمة تهدف إلى تشويه سمعتها الأخلاقية وإضعاف مقاومتها الشعبية. في الوقت الذي تتميز فيه إب بموقعها الاستراتيجي وتاريخها العريق، يحاول الحوثيون من خلال هذه الحملة تحويلها إلى ساحة مناسبة لتكريس هيمنتهم عليها. هذه الحملة تركز بشكل خاص على الاتهامات المتعلقة بتصنيع الخمور في المحافظة، مما يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية التي يقف وراءها الحوثيون.
إب: مركز المقاومة والمشاركة الوطنية
لطالما كانت محافظة إب على رأس المحافظات التي قدمت تضحيات كبيرة في سبيل الوطن. هي ليست مجرد محافظة جغرافية، بل رمزٌ للتاريخ اليمني النضالي. فمنها خرج العديد من الشخصيات التاريخية التي أسهمت في تشكيل الوعي الوطني والتاريخي في اليمن، مثل أحمد محمد الدعيس، أحد مفكري ثورة 1948، والقاضي عبدالرحمن الإرياني، أول رئيس جمهوري لليمن. كما شهدت إب العديد من الانتفاضات ضد النظام الإمامي ووقفت إلى جانب الثورة اليمنية في مختلف مراحلها.
ورغم هذه الخلفية النضالية المشرقة، يتعرض أبناء إب لحملة شعواء من قبل الحوثيين تستهدف ليس فقط الأشخاص، بل تاريخهم الثوري أيضا. هذه الحملة لا تتعلق فقط بالاتهامات الأخلاقية المتعلقة بتصنيع الخمور، بل تهدف إلى تشويه صورة المحافظة وخلق صورة ذهنية سلبية عنها في الأوساط العامة.
استراتيجية الحوثيين في تشويه إب
تتمثل استراتيجية الحوثيين في تصعيد حملات دعائية مركزة تهدف إلى تشويه سمعة إب على المستويين الأخلاقي والسياسي. هذه الحملة تعتمد بشكل رئيسي على نشر تقارير إعلامية مفبركة تتحدث عن "معامل تصنيع الخمور" في المحافظة، وهي ظاهرة يمكن العثور عليها في أماكن أخرى من البلاد، ولكن التركيز الحوثي على إب يعكس رغبة في تقويض الدور الذي تلعبه المحافظة في الساحة الوطنية.
هدف الحوثيين ليس فقط تشويه صورة إب، بل إضعاف الروح المقاومة فيها، خاصة وأنها تاريخياً تمثل أحد أبرز معاقل المقاومة ضد الإمامة والاحتلالات الخارجية. فهم يسعون إلى أن يصوّروا إب كمركز للرذيلة والمشاكل الأخلاقية، ليسهل عليهم تبرير القمع والممارسات التعسفية التي يقومون بها ضد أبنائها.
دورات ثقافية وتجنيد عبر مؤسسات الدولة
لم تتوقف الحملة الحوثية عند نشر الأراجيف الإعلامية، بل تطورت لتشمل تدخلاً مباشراً في بنية مؤسسات الدولة في إب. فقد كانت المحافظة من بين المناطق التي طُبقت فيها الدورات الثقافية المذهبية، حيث استُدعي جميع مدراء المكاتب الحكومية والموظفين، بما فيهم مدراء المدارس في وزارة التربية والتعليم. في إحدى مدارس إب مثل مدرسة الفلاح في فرع العدين، أُجبر الموظفون على متابعة برامج متعلقة بالأسلحة والولاء للجماعة. كما تم إرسال مقاطع الفيديو كدليل على التزامهم بهذه الدورات، وهو ما يعكس حجم السيطرة الحوثية في هذه المحافظة.
من جانب آخر، تم تعيين جميع مدراء المكاتب الحكومية والخدمية في إب من خارجها، وهو ما يكرس التبعية الحوثية ويفقد إب السيطرة على مؤسساتها الحكومية. هذا التعيين يعكس محاولة الحوثيين لتفريغ المؤسسات من أي عنصر محلي قادر على تمثيل مصالح المحافظة ويمهد الطريق لتكريس سياسة الحوثي في المنطقة.
البُعد المذهبي: استهداف الشافعية في إب
إحدى أبرز الخصائص التي تميز إب عن بقية المناطق اليمنية هي موروثها المذهبي الشافعي. ومع تصاعد السيطرة الحوثية على المحافظة، بدأ الحوثيون في تعزيز نفوذهم المذهبي في المؤسسات التعليمية والدينية. هذا الصراع المذهبي لا يقتصر على مستوى الأفراد، بل يشمل جميع جوانب الحياة في إب، من التعليم إلى الإعلام.
عمل الحوثيون على استهداف المذهب الشافعي، الذي يعتبر المذهب السائد في إب، من خلال نشر ثقافتهم المذهبية في الدورات الثقافية التي ينظمونها. كما عملوا على تحريف القيم الدينية التقليدية، مستهدفين إفراغ المجتمع من موروثه الديني الموروث والمتنوع.
ويعتقد العديد من المحللين أن الحملة الحوثية في إب تهدف إلى تفكيك المجتمع المحلي من خلال إحداث فتنة مذهبية، مما يسهل لهم الهيمنة على المنطقة وتغيير التوازن الاجتماعي الذي لطالما تميزت به.
العزي صالح السنيدار، الذي يتحدث في كتاب (الطريق إلى الحرية )عن تبرعات أبناء إب لصالح حركة 1948، يذكر أن:
"ما كان في تبرعات من صنعاء لصالح حركة 1948، وإن أغلب التبرعات كانت من إب وتعز".
يشير العزي إلى حجم المشاركة الكبيرة لأبناء إب في دعم الحركات الوطنية ضد الأنظمة القمعية، وهو ما يعكس تاريخ المحافظة الحافل بمواقفها النضالية.
الدورات الثقافية المذهبية كانت نقطة أخرى تم التركيز عليها، حيث أُجبر المدراء والمشرفون الحكوميون على حضور "دورات ثقافية"، حيث يقول محمد _ إسم مستعار :
"كل مدراء المكاتب الحكومية استدعوهم، كل المسؤولين في وزارة التربية والتعليم مدراء المدارس أيضاً رجعوا جابوا دليل تعليمي للأسلحة، لجميع المدارس ضروري يشاهدوا كل يوم حلقة، ويصورا فيديو إثبات ويرسلوها لمليشيات الحوثي".
هذا التوجه يشير إلى تدخُّل واضح من قبل الحوثيين في المؤسسات التعليمية لتوجيهها وفق رؤيتهم الأيديولوجية والسيطرة على الوعي العام في إب.
الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية
إلى جانب الهجوم الإعلامي والتدخل السياسي، لم تغفل المليشيات الحوثية عن السيطرة على الجانب الاقتصادي في إب. حيث كانت المحافظة، منذ القدم، مركزاً للعديد من الأعمال التجارية والتبادلات الاقتصادية التي تُمثّل دورًا رئيسيًا في الحياة اليمنية. نتيجة لذلك، عمل الحوثيون على فرض جبايات اقتصادية موسمية على التجار في إب، والتي تتزامن مع مناسباتهم الخاصة مثل المولد النبوي، يوم الشهيد، وغيرها من المناسبات الحوثية. وبتحقيق هذه الجبايات، يتم استغلال هذه الأموال لدعم المجهود الحربي الحوثي ولتعزيز سيطرة الجماعة على الاقتصاد المحلي.
إب في مواجهة التشويه الجماعي
إب، مثل غيرها من المناطق التي عانت من الصراع، تتعرض اليوم لحملة إعلامية مركزة تهدف إلى تشويه سمعتها وخلق حالة من الفوضى والفرقة بين أبنائها. ورغم هذه المحاولات المستمرة لتشويه صورتها، إلا أن محافظة إب تظل عصية على الكسر. فهي ليست مجرد جغرافيا، بل هي رمز من رموز المقاومة الوطنية في اليمن.
ورغم الضغوط التي تمارسها المليشيات الحوثية على أبناء إب، تظل المحافظة تمثل خط الدفاع الأخير ضد أي محاولة لتدمير الهوية اليمنية الوطنية. سيظل أهل إب، الذين وقفوا طوال التاريخ في وجه المحتلين والطغاة، يرفضون الخضوع لأي محاولات تستهدفهم، وستظل إب معقلًا للمقاومة الشعبية في وجه قوى الطغيان.
الاستهداف الاجتماعي والاقتصادي: دور إب في تبرعات حركة 1948
إب كانت وما تزال تمثل واحدة من أكثر المناطق تفاعلاً في العمل الوطني اليمني. ففي عام 1948، ساهم أبناء إب بشكل كبير في دعم حركة الثورة ضد الإمامة، حيث كانت التبرعات التي قدمتها إب وتعز هي الأكبر مقارنة ببقية المناطق. هذه التضحيات والمساهمات تشير إلى عمق روح المقاومة والإصرار لدى أبناء إب على الحرية.
وقد أكدت هذه التبرعات، التي جاءت من إب بشكل خاص، أن المحافظة كانت وما تزال جزءًا لا يتجزأ من معركة الحرية والمقاومة ضد الأنظمة الاستبدادية.
خاتمة
تظل محافظة إب رمزًا من رموز المقاومة اليمنية، رغم محاولات التشويه المتكررة التي تمارسها المليشيات الحوثية. من خلال تاريخها الطويل والمجيد في النضال، ورغم ما يتعرض له أبناء إب من ضغوط اقتصادية وأيديولوجية، ستظل المحافظة محافظة إب عصية على التسلل الحوثي وستظل معقلًا للمقاومة الوطنية والشعبية في وجه قوى الطغيان.